إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
قوات حفظ السلام في الجهاز المناعي
تمنع الخلايا التائية المنظمة(1)، التي تم البرهان على وجودها مؤخرا فقط، دفاعات الجسم
من مهاجمة الجسم نفسه. ويمكن لمنابلة هذه الخلايا أن تساعد على اقتراح معالجات
جديدة لحالات مرضية، تراوح بين داء السكري ورفض الأعضاء المغترسة.
نظرة إجمالية/ منظِّمات المناعة(**)
لسنوات عديدة، ارتاب المختصون في المناعة بوجود خلايا مسؤولة نوعيا عن كبت الفاعليات المناعية. وقد تبين فيما بعد أن هذه الخلايا موجودة فعلا، وسُميت خلايا تائية منظمة(1).
تكافح الخلايا المسمّاة الخلاياT-regs المناعةَ الذاتية، كما أنها تساعد الجسم على مقاومة العدوى (الخمج) المتكررة بوساطة غازٍ (مهاجم) سبق أن أحدث العدوى، وتحمي أيضا البكتيرات النافعة التي تستوطن المعى، كما أنها تساعد على تثبيت الحمل. أمَّا فاعليتها السلبية فتتمثل بتحريض الخلايا السرطانية على التملص من الهجمات المناعية.
وتَعِدُ الأبحاث المتنامية بتطوير معالجات جديدة لاضطرابات المناعة الذاتية والسرطان. وقد تؤدي هذه المعالجات الجديدة إلى مداواة ستجعل متلقّي الأعضاء المغترسة في غنى عن تناول الأدوية الكابتة للمناعة مدى الحياة.
(2)«رعب التسمم الذاتي»
قبل قرن من الزمن، ابتكر البكتيريولوجي المتبصر <P.إيرليخ> بجدارة هذا التعبير، ليصف مهاجمة الجهاز المناعي لشخص ما النسج الخاصة بذلك الشخص. واعتقد <إيرليخ> أن هذه المناعة الذاتية autoimmunity ـ تعبير آخر ابتكره هو أيضا ـ ممكنة أيضا، ولكن الجسم يبقيها، بطريقة ما، مكبوحة. بيد أن الوسط العلمي حينذاك أساء فهم فكرته بشقيها. وبدلا من ذلك، ظن معاصروه أنه من المستحيل أن تكون المناعة الذاتية وراثية. وعلى الرغم من كل شيء، ما الانقلاب التطوري الذي سيسمح حتى لمجرد مصادفة رهيبة أن تُنشئ في داخل الجسم آليةً هدفها تدميره تدميرا ذاتيا؟
ومع ذلك، تم ببطء تعرف عدد من الاعتلالات الغامضة كأمثلة على رعب التسمم الذاتي، منها مثلا التصلب المتعدد، وداء السكري المنوط بالأنسولين (النمط الذي يصيب عادة الشباب) والتهاب المفاصل الرثياني. كما اتضح للباحثين أن هذه الأمراض تنشأ عن الفاعليات التمردية لخلايا دموية بيض، تُعرف باللمفاويات التائية CD4+ (وأعطيت هذا الاسم لأنها تعرض على سطحها جزيئا رمزه(CD4(3، ولأنها تنضج في التوته(4)). والأشكال النظامية لهذه الخلايا تخدم كضباط في القوى المسلحة للجهاز المناعي، وتكون مسؤولة عن إصدار الأوامر للفرق المقاتلة في الجهاز المناعي كي تهاجم الميكروبات (الأحياء المجهرية) المسببة للأمراض. ولكن هذه الفرق (الخلايا) تتمرد أحيانا، وتهاجم مكونات الجسم نفسه.
وكان <إيرليخ> مُحِقا في أمر آخر أيضا. فلقد تعرفت الأبحاث الحديثة خلايا وُجدت ظاهريا لتحصر نوعيا السلوك المناعي الشاذ. ولقد سُميت هذه الخلايا «الخلايا التائية المنظِّمة»، وهي مجموعة مشتقة من الخلايا التائية CD4+، وحيوية للحفاظ على الجهاز المناعي في حالة اتساق مع عائله. ويتزايد أيضا إدراك المختصين بالمناعة أن تلك الخلايا تعمل أكثر بكثير من إبطال فعل المناعة الذاتية؛ ذلك أنها تؤثر أيضا في استجابات الجهاز المناعي للعوامل المعدية (الخمجية) والسرطان والأعضاء المغترسة وفي أثناء الحمل. ونعمل مع آخرين لنفهم تماما كيف تنهض هذه الخلايا الاستثنائية بمسؤولياتها، ولماذا تعمل أحيانا على نحو غير تام. وعلى هذه النتائج أن تكشف عن طرائق لتنظيم فعل هذه الخلايا المنظمة، وبذلك نكبت الفاعلية المناعية أو نعززها وفقا لمقتضى الحال؛ الأمر الذي سينجم عنه توجه أفضل لمجابهة بعض التحديات الطبية الرئيسية الحالية.
(***)دفاعات غير تامة
وكما هي الحال في ما يتعلق بالمختصين بالمناعة في أيام <إيرليخ>، فإن كثيرا من الناس يُصابون اليوم بالرعب إذا ما علموا بأنهم مهما كانوا في حالة صحية جيدة، فإن أجسامهم تُؤوي خلايا من الجهاز المناعي ذات كمون(5) مدمر؛ قادرة تماما على استثارة مرض مناعي ذاتي. ومع هذا، فإن سيف <داموكليس> المناعي هذا يمكن الكشف عنه بسهولة. فمثلا؛ إذا ما تم حقن (زرق) فأر بپروتينات جملته العصبية المركزية مع مساعد adjuvant ما (منبه لعموم الجهاز المناعي)، فإن تفاعلا مناعيا مدمرا يلي الحقن. وبالمثل فإنه في حالة التصلب المتعدد، تشن الخلايا التائية هجوما على دماغ الحيوان وعلى نخاعه (حبله) الشوكي.
ويمكن للباحثين، بتنويع الپروتينات الذاتية المحقونة، إحداث أمراض مناعية ذاتية أخرى في حيوانات المختبر؛ الأمر الذي يدل على أنه باستطاعة خلايا من الجهاز المناعي ذات كمون مؤذٍ أن تشن هجمات ذاتية على تنوعات واسعة من النسج. ويبدو الخطر حقيقيا في الإنسان أيضا، ذلك أنه يمكن بسهولة عزل خلايا مناعية من دم شخص معافى تتفاعل مع الذات. وتتفاعل هذه الخلايا بشدة في أنبوب الاختبار مع عينات نسيجية تؤخذ من الشخص نفسه.
عندما يستعمل الجهاز المناعي أسلحته استعمالا غير ملائم، فإن الخلايا التائية المنظِّمة regulatory T cells، وتدعى اختصارا T-regs، تقيد هذه الأسلحة.
وإذا ما أخذنا بالحسبان هذا الإثبات لخطر حقيقي محدق، فمن الطبيعي أن يتساءل الباحثون لماذا يعيش معظم الحيوانات والإنسان غير قلق في ما يتعلق بأمراض المناعة الذاتية، أو غير آبه بها. وبمعنى آخر فإن الباحثين يرغبون في أن يعرفوا كيف يميز الجهاز المناعي بين التهديدات المتمثلة بالميكروبات مثلا، وبين نسج الشخص نفسه. لقد وجدوا أنه بغية إحداث تحمل الذات ـ أي القدرة على كبح الجهاز المناعي من مهاجمة أعضاء الجسم ذاته ـ فإن هذا الجهاز يجنِّد العديد من الحراس. ويوجد خط الدفاع الأول، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالخلايا التائية، في التوتة التي تقبع على نحو غير واضح إلى الأعلى (أو إلى الأمام) من القلب. ففي التوتة، تخضع الخلايا التائية «لتربية» صارمة، حيث تُبرمج هذه الخلايا كي لا تتفاعل بشدة (ومن ثم تتفاعل على نحو غير مؤذٍ) مع أي من نسج الجسم. كما يتم تدمير الخلايا التائية التي تتمرد على هذه البرمجة. ولكن ما من نظام يرقى إلى الكمال، ذلك أن عددا ضئيلا من الخلايا التائية العدائية للذات تتسلل عمليا عبر التوتة. وبفرارها إلى مجرى الدم وإلى الأوعية اللمفية، فإن هذه الخلايا التائية الخارجة على القانون تنشئ كمون الجهاز المناعي لإطلاق العنان لأمراض المناعة الذاتية.
وفي الأوعية الدموية واللمفية يقع خط الدفاع الثاني ضمن دائرة الحماية. إن لهذه الطبقة الواقية من المناعة الذاتية أوجها متعددة. فبعض النسج، بما في ذلك الدماغ والنخاع الشوكي، كتيمة ضد دوريات خلايا الجهاز المناعي لاحتوائها ببساطة على قلة من الأوعية الدموية واللمفية، التي تنفذ، إضافة إلى ذلك، إلى أعماق هذه النسج. بيد أن هذا العزل ليس مطلقا، ويحدث أحيانا، وبخاصة عندما تتأذى هذه النسج، أن تجد الخلايا المناعية المتفاعلة مع الذات طريقها إلى تلك النسج. وهنالك أساليب إضافية للحماية ذات فاعلية استباقية. فالخلايا المناعية التي تُظهر اهتماما غير ملائم بنسج الجسم نفسه تُستهدف للتدمير، أو تُحول إلى خلايا هاجعة بوساطة مكونات أخرى للجهاز المناعي.
ويمكن أن تُعَدَّ الخلايا التائية المنظمة الأكثر حسما بين الخلايا المناعية التي تؤدي هذه المهمة من الحماية. إن معظم هذه الخلايا، إن لم يكن جميعها، تتقن أدوارها كخلايا «بالغة» وهي لا تزال ضمن التوتة؛ شأنها شأن الخلايا التائية الأخرى؛ ثم ترتحل كي تستمر في أنحاء الجسم كافة كمجموعة من الخلايا التائية المتخصصة.
(****)اكتشاف قوات حفظ السلام
يرجع تاريخ النتائج التي أشارت إلى وجود الخلايا التائية المنظمة إلى زمن قِدمه أمر مفاجئ. ففي أثناء عملهما في معهد أبحاث مركز «آياشي» للسرطان في ناگويا باليابان، أوضحَ كل من <Y.نيشيزوكا> و <T.ساكاكورا> عام 1969 أن لإزالة التوتة من فئران إناث حديثة الولادة نتائج غريبة: لقد فقدت الفئران مبايضها. لقد ظُن في البداية أن التوتة تفرز حتما هرمونا ما ضروريا لبُقيا المبايض المتنامية. ولكن ثَبُت في ما بعد أن خلايا الجهاز المناعي غزت هذه المبايض. لذا؛ فإن تدمير المبايض هو مرض مناعي ذاتي، أُطلق له العِنان بفقدان الحيوان للسيرورة المنظمة التعويضية. فإذا ما تم تلقيح الحيوانات بخلايا تائية سوية، فإن مرض المناعة الذاتي يتثبط. فالخلايا التائية إذًا تستطيع، من حين إلى آخر، أن تنظم بطريقة ما نفسها بنفسها.
لقد جرى عزل هذه الخلية T-regs من فأر.
وفي مطلع السبعينات أبدى <J.يينهال> [من جامعة أدنبره] ملاحظات مماثلة تتعلق بالجرذان البالغة. وكان <R.گيرشون> [من جامعة ييل] أول من اقترح وجود مجموعة من الخلايا التائية قادرة على إخماد الاستجابة المناعية؛ بما في ذلك الاستجابات العدائية للذات. وتمت تسمية هذه الذراع الافتراضية للجهاز المناعي بِالخلايا التائية الكابتةsuppressor Tcells. ولكن لم يتمكن حينذاك أي باحث من الباحثين من أن يعثر فعلا ولو على واحدة من تلك الخلايا، أو أن يحدد بدقة الآلية الجزيئية التي تستطيع بوساطتها خلية من خلايا الجهاز المناعي أن تكبت خلية أخرى. وهكذا، فإن مفهوم الخلية التائية الكابتة ظل حاشية في سجل علم المناعة، يتوق الباحثون إلى البرهان عليه تجريبيا.
وعلى الرغم من الجو المحبط، ثابر بعض الباحثين على محاولة تعرف خلايا تائية تتمتع بالقدرة على الحيلولة دون أمراض المناعة الذاتية. وتمثل الأمل الأساسي باكتشاف سمة جزيئية إشارية على سطح تلك الخلايا؛ وهي «واسمة» يمكن بوساطتها تمييز تلك الخلايا التائية النوعية من غيرها من الخلايا. وفي أواسط الثمانينات جرى استكشاف واسمات مختلفة؛ اعتبرت مرشحة لهذه المهمة.
وأخيرا، بيَّن واحد منا (ساكاگوشي) في عام 1995 أن جزيئا، يعرف بالرمز CD25، يمكن أن يُعوَّل عليه كواسمة. وعندما أزال، في دراساته على الفئران، الخلايا التائيةCD4+ التي تعرض هذا الجزيء، فإن أعضاء معينة، كالدرقية والمعدة والمناسل والپنكرياس والغدد اللعابية، أضحت عرضة لهجوم مناعي ذاتي، تميز بالتهاب درامي: اندفعت خلايا دموية بيض إلى داخل هذه الأعضاء، وألحقت بها الأذى.
وفي تجربة تأكيدية مهمة جرى استنفاد مجموعات الخلايا التائيةCD4+ CD25+ من مجموعات خلوية تائية تم الحصول عليها من فئران سوية. ومن الواضح أن هذه المجموعات تشكل نسبة ضئيلة (10 في المئة في أحسن الأحوال) من الجمَيعة الإجمالية للخلايا التائية. وتم بعدئذ اغتراس الخلايا التائية المتبقية في فئران هُندست جينيا كي تفتقر إلى أجهزتها المناعية الخاصة بها. لقد تسببت هذه المناورة في مرض مناعي ذاتي. وكلما كان الاستنفاد كاملا في الحيوانات المانحة، ازدادت وخامة المرض في الفئران المتلقية. واتضح أن الاستنفاد الشامل غالبا ما يكون مميتا. إن إعادة الخلايا التائية CD4+CD25+، حتى بأعداد قليلة، منحت مناعة سوية، وصانت الحيوانات من الاضطرابات المشار إليها آنفا. كما أن التجارب التي أُجريت كليا في أنابيب الاختبار، قدمت أيضا دليلا تأكيديا قيما. ودفعا لأي التباس يمكن أن يثيره تعبير «الخلايا الكابتة»، فإن مختصي المناعة بدؤوا بتسميتها الخلايا التائية المُنظِّمة CD25+regulatory Tcells CD25+، أو ببساطة T-regs.
(*****)؟T-regs كيف تعمل الخلايا
إن الطريقة التي تكبت بوساطتها الخلايا T-regs فاعلية المناعة الذاتية لا تزال حتى يومنا هذا أمرا محيرا، مما يجعل وظيفتها موضوعا مستمرا للبحث المكثف. وتبدو الخلايا قادرة على كبت أنواع كثيرة من خلايا الجهاز المناعي، معيقة تضاعف الخلايا وكذلك فاعلياتها الأخرى، كإفراز الإشارات الكيميائية التي تتخاطب الخلايا بوساطتها (السيتوكينات). ويميل الباحثون إلى الاتفاق على أن الخلاياT-regs تُفَعِّل عن طريق التماس بين خلية وأخرى. وفي ما عدا ذلك، فإن الصورة تظل مشوشة [انظر الإطارين في الصفحتين 62 و 63].
ولكن مختبرنا في جامعة كيوتو وكذلك فريق <A.رودنسكي> [في سلتيك للبحث والتطوير Celltech R & D في بوتل بولاية واشنطن] وجدا على نحو مستقل مفتاحا جديدا لكيفية تنامي الخلايا T-regs وأدائها لوظيفتها. فالخلايا تحوي كمية كبيرة من جزيء داخل الخلايا؛ عُرف بالرمز FoxP3. وفي الحقيقة، فإن غنى الخلايا T-regs بهذا الپروتين أكبر بكثير مما عرف عن التركيزات الجزيئية الأخرى التي تحويها هذه الخلايا.
إن الپروتينFoxp3 هو عامل انتساخ: جزيء ينظم عمل جينات نوعية، وهو بذلك يضبط الإنتاج الخلوي للپروتين الذي تكوِّده(6) كل جينة من الجينات. وبالنظر إلى أن الپروتينات هي الجزيئات العاملة الرئيسية في الخلايا، فإن تبدل إنتاج واحد منها أو أكثر يؤثر في الكيفية التي تؤدي بوساطتها الخلية وظائفها. وفي حالة الپروتين Foxp3، فإن التغير الذي يحدثه في فاعلية الجينة يوجه، في ما يبدو، تمايز الخلايا التائية المتنامية إلى الخلايا T-regs. وبالفعل، إذا ما تم صنعيا إدخال الپروتينFoxp3 في خلايا تائية عادية (ليست الخلايا T-regs)، فإن هذا الإدخال يستثير نوعا من إعادة البرمجة، تحرز الخلايا بوساطتها قدرات الكبت كافة التي تميز الخلايا T-regs السوية التي تنتجها التوتة. ولقد وُجد مؤخرا أن نمطا من الفئران، يعرفه الباحثون بالسلالة الهِبرية (القشرية) Scurfy، لا يحوي سوى شكلٍ طافرٍ وعاطلٍ من الپروتين Foxp3، جنبا إلى جنب مع غياب كامل للخلايا T-regs. ونجم عن ذلك تنامي جهاز مناعي مشوش ترافق مع التهاب جسيم للعديد من الأعضاء، تسبب في نفوق الحيوانات مبكرا.
آلية التحمل(******)
تساعد الخلايا T-regs على ضمان إحجام مكونات الجهاز المناعي ـ بما في ذلك الخلايا التائية التي تكافح العدوى (الخمج) ـ عن مهاجمة النسج السوية. ومباشرة تتخلص التوتةthymus، حيث تنضج جميع تنوعات الخلايا التائية، من الكثير من الخلايا الذاتية التفاعل النشطstrongly autoreactive cells (في اليمين)، بيد أن يقظتها غير تامة. لذا فإن الخلايا T-regs تحفز الجسم بحثا عن الخلايا الخارجة على القانون (في اليسار).
تشبه الخلايا T-regs الخلايا التائية المساعدة، التي تنسق الاستجابات المناعية. ويعرض كلا النوعين من الخلايا مستقبلا خلويا تائيا (TCR) يستطيع أن يحتجز مستضدا خاصا؛ وهو مادة أدركت الخلايا أنها ليست من الذات. كما أن نوعي الخلايا يعرضان ما يعرف بالمستقبِل المساعد، ويدعى CD4. بيد أن الخلايا T-regs تختلف عن التائيات المساعدة في أنها تعرض جزيئا يعرف بالرمز CD25، الأمر الذي يجعلها تُدعى أيضا بالخلايا التائية CD4+ CD25+. إن الواسمة CD25 هي أحد مكونات مستقبل الإنترليوكين 2(IL-2) ، الذي يعزر فاعليات الخلايا T-regs. وتحتوي هذه الخلايا T-regs أيضا على كمية كبيرة من الپروتين Foxp3، الذي يمنحها القدرة على إسكات (كبت) خلايا تائية أخرى. وعندما تصادف الخلايا T-regs خلايا تائية ذاتية التفاعل، فإنها توقفها عن العمل (السهم الأحمر).
وبطبيعة الحال، فإن الباحثين يدرسون الخلايا T-regs في حيوانات المختبر، كالفئران. لذا، فإن المعرفة المكتسبة يمكن أن تطبق على الإنسان. وبناء على ذلك، ما هو الدليل المتوافر على أن الخلايا T-regs هي فعلا مهمة في ما يتعلق بالإنسان أو أنها موجودة فينا أصلا؟
لقد ثبت في النهاية أن السمات الجزيئية التي تخصص الخلايا T-regs في القوارض، تخصص أيضا مجموعة من الخلايا التائية في الإنسان. وكما هي الحال في القوارض، تعرض هذه الخلايا في الإنسان الجزيء CD25، وتكون ذات محتوى عالٍ من الپروتين Foxp3. وإضافة إلى ذلك؛ فإن هذه الخلايا مثبطة للمناعة، على الأقل في أنبوب الاختبار.
ولعل الدلائل الأكثر إقناعا على أن الخلاياT-regs ذات أهمية حيوية لصحة الإنسان تأتي من شذوذ وراثي نادر، يدعى IPEX (المتلازمة المرتبطة بالصبغي X للاعتلال المعوي واعتلال الغدد الصم المتعدد لخلل التنظيم المناعي immune dysregulation, polyendocrinopathy, enteropathy X-linked syndrome). وتنشأ المتلازمة IPEX عن طفرة لجينة في الصبغي X، وتؤثر هذه المتلازمة في الأطفال الذكور الذين يرثون، خلافا للإناث، صبغيا X واحدا، ومن ثمّ ليس لديهم سبيل ليرثوا نسخة سوية ثانية من الجينة، التي كانت ستكود تحويرا صحيحا للپروتين المعني. وينجم عن الطفرة في الذكور حدوث مرض مناعي ذاتي يصيب أعضاء عديدة في أجسامهم، بما في ذلك الدرقية والپنكرياس (كما في داء السكري المنوط بالأنسولين). وينشأ أيضا التهاب مزمن للمعى (داء الأمعاء الالتهابي)، وأرجية متعذر ضبطها (أرجية الطعام والتهاب الجلد الوخيم). ويمكن فهم حدوث هذه العلل كلها إذا ما اعتبرت مظاهر مختلفة لفرط فاعلية جهاز المناعي غير مقيد من قبل الخلايا T-regs. ويحدث الموت في سن الرضاعة، أو بعد ذلك بقليل. وتسهم في حدوث الموت أسباب متباينة، تراوح بين داء السكري المناعي الذات والإسهال الوخيم. ولقد تم مؤخرا البرهان على أن الخلل الجيني النوعي الأساس في المتلازمة IPEX يتمثل في طفرة تتناول جينة هي ليست سوى الجينة Foxp3. إن المتلازمة IPEX هي إذًا النظير البشري للاعتلال الهبري في الفئران.
(*******)ما وراء تحمل الذات
يشير الدليل إذًا إلى أن الخلايا T-regs تحول فعلا دون حدوث أمراض المناعة الذاتية في الإنسان. ولكن الخلايا تسهر أيضا، في ما يبدو، على الصحة بطرائق أخرى، بما في ذلك إسهامها (بسبل تدعو إلى الدهشة) باستجابتها للميكروبات.
وفي خلال التسعينات (من القرن الماضي)، أجرت <F.پاوري> وزملاؤها [من معهد دناكس DNAX للأبحاث في پالو آلتو بكاليفورنيا] تجارب تضمنت نقل مجموعات من الخلايا؛ استُنفدت منها الخلاياT-regs ، إلى فئران مُهندسة جينيا كي يعوزها جهازها المناعي الخاص بها. وفي مجموعة معينة من الدراسات، حرّض النقل على حدوث شكل من مرض الأمعاء الالتهابي الوخيم، الذي غالبا ما كان مميتا. ولكن فاعلية الزيغ المناعي(7) لم تكن موجهة توجيها نوعيا ضد النسيج المعوي ذاته.
كيف تحول الخلايا T-regs دون المناعة الذاتية(********)
لا يفهم أحد تماما كيف تحصرالخلايا T-regs هجمات المناعة الذاتية.ويستتبع ذلك ثلاثة غمكانات معقولة. وتنطوي كلها علي اعتراض خطوة أساسية في استثارة الاستجابة المناعية. ٍألا وهي التأشير بين الخلاياالتائية وبين الخلايا المقدمة للمستضد(antigen-presentingcells (APCs. فقبل أن تعبيء الخلايا التائية المساعدة فرقا مقاتلة أخري، وقبل أن تهاجم الخلايا التئية"السامة للخلايا"cytotoxi T-cells" النسج التي تبين أنها معداة، فإن علي الخلايا APCs أن تعرض المستضد كي تتعقبة الخلايا. وإذا ما ميز مستقبل خلية تائية(TCR) لخلية مساعدة، أو لخلية سامة للخلايا، مستضدا معروضا ووصلته أيضا إشارا معينة أخري صادرة عن الخلايا [APCs]،فإن الخلايا التائية ستصبح فعالة ضد حام المستضد- حتي إن كان المستضد من مكونات الجسم نفسه؛ عوضا عن أن يكون من عامل معد (خامج). إن الخلايا TCRs للخلايا T-regs، تميز أيضا مستضدات خاصة، وتكبت كبتا نوعيا الخلايا التائية التي تركز فعلها تلك المستضدات نفسها.
إن أمعاء القوارض، كأمعاء الإنسان، تُؤوي مجموعات كثيرة من البكتيرات؛ نمطيا أكثر من تريليون (ألف بليون) بكتيرة لكل غرام واحد من نسج الأمعاء. ومع أن هذه الأنواع البكتيرية تُعَدُّ غريبة عن الذات، فهي في العادة ليست ضارة إطلاقا. وهي على العكس تماما، تعزز هضم الطعام؛ كما أنها تُبعد البكتيرات الخطرة، كالسلمونيلة، التي كانت ستحاول ـ لولا ذلك ـ أن تستعمر المعى. ويتحمل الجهاز المناعي في الحالة السوية وجود المجموعة البكتيرية النافعة. ولكن في فئران <پاوري>، صار الجهاز عدائيا. وبهذا الفعل الهجومي للجهاز المناعي، فإن الخلايا المناعية المغترسة تسببت في ضرر إضافي للمِعى المتلقي. إضافة إلى ذلك، فإن نقل الخلاياT-regs لم يستثر أي مشكلة. وفي الواقع، عندما نقلت الخلايا T-regs، مترافقة مع الخلايا التائية الأخرى، حالت دون حدوث مرض الأمعاء الذي كان سيحدث لولا وجود الخلايا T-regs. وعموما، فإن الجهاز المناعي يبدو وكأنه معلق على زَند (زناد) شعري(
؛ مهيأ لمهاجمة بكتيرات المعى، ويبقى في حالة كبح من قبل الخلاياT-regs فقط.
وقد يؤثر زند شعري مماثل في استجابة الجهاز المناعي تجاه الغرباء الضارين. فمن ناحية، يمكن للخلايا T-regs أن تكبح استجابة مبالغا فيها. ومن ناحية أخرى، فإن الكبح قد يحول دون تدمير الغازي تدميرا كليا، الأمر الذي يمكنه من الاستمرار بكمون(9) توسعي جديد. فمثلا؛ توحي بعض النتائج بأن الإخفاق في إخلاء المعدة من البكتيرة المسماة اللولبية البوابية Helicobacter pylori، التي يُعرف حاليا بأنها العامل المسبب لقَرحة المعدة، إنما ينشأ عن جهاز مناعي لديه خلايا T-regs ضعيفة السلاح.
وقد كشفت أبحاث <D.ساكس> وزملائه [في المعاهد الوطنية للصحة] عن تعقيدات أشد عمقا. وتنطوي نتائج هذه الأبحاث على أن الإبقاء على عدد قليل من الأحياء بين كائنات حية غازية قد لا ينطوي كليا على السوء. فلقد أعدى (أخمج) الباحثون فئرانا بطفيلي حميد (غير مؤذٍ). وحتى عندما كان الجهاز المناعي سليما كليا، فإنه سمح لعدد قليل من الطفيليات بالبقاء، وأدت العدوى من جديد إلى استثارة استجابة مناعية فورية فعالة. ولكن إذا ما تم استنفاد الجهاز المناعي من الخلايا T-regs، فإن الطفيلي يزول كليا، بيد أن إعادة العدوى تُعالج من قبل العائل على نحو غير فعال، وكأن الفئران لم يسبق لها أبدا أن واجهت الغازي. لهذا السبب فإن الخلاياT-regs تُسهم في ما يبدو في الحفاظ على الذاكرة المناعية؛ سيرورة حاسمة في ما يتعلق بالمناعة لعدوى متكررة، وتشكل أساس نجاح التلقيح.
ويشير الباحثون أيضا إلى دور الخلايا T-regs في حماية الحمل. وينطوي كل حمل بصورة محتومة على تحدٍ سافر لدفاعات الأم المناعية. وبالنظر إلى أن الجنين يرث عن أبيه نصف عدد جيناته، فهو متميز نصفيا في ما يتعلق بهذه الجينات عن أمه؛ وهو بذلك، من حيث الجوهر، عضو مغترس. وفي الأرومة الغاذية trophoblast؛ النسيج المشيمي الذي يلصق الجنين بجدار الرحم؛ يمنح عدد من الآليات الجنين بعض الأمان، مما قد يرقى إلى مستوى منع رفض الغريسة. ولا تعمل الأُرومة الغاذية كمجرد حائل فيزيائي، يصد عناصر في دم الأم تهاجم عادة الغريسة؛ بل تُنتج أيضا جزيئات كابتة مناعيا.
وفيما يبدو فإن الجهاز المناعي للأم يعاني هو الآخر تغيرات معينة. والتقارير التي تشير إلى أن النسوة اللواتي شفين تقريبا في أثناء الحمل من أمراض المناعة الذاتية، كالتصلب المتعدد، تقدم أدلة قصص شعبية على أن الخلايا T-regs صارت أشد فاعلية. كما أن بعض التجارب الحديثة يقدم دعما أكثر صراحة. فلقد بين <A.بتز> وزملاؤه [من جامعة كمبردج] أن عدد الخلايا T-regs في إناث الفئران يزداد في أثناء الحمل. وبالتخالف، فإن الفقدان التجريبي المهندس للخلايا T-regs يؤدي إلى رفض الجنين، الذي يتميز بارتشاح شديد للخلايا المناعية عبر التخوم الأُموميةذالجينية. لذا؛ فمن المغري التفكر أنه في بعض النسوة تشكل الفاعلية غير الكفؤة للخلايا T-regs أساس تكرار الإجهاض العفوي.
(*********)تعبئة التائيات المُنظِّمة
من الواضح أن الطبيعة برعت، في حالة الخلايا T-regs، في إيجاد وسائل فعالة لضبط الاستجابة المناعية. إن المقاربة الذكية لهذا الضبط تجعل من الخلايا T-regs حليفا علاجيا، ناجعا كمونيا ضد مجموعة كبيرة من الاضطرابات الصحية. ومع أنه من المبكر أكثر مما ينبغي أن نتوقع مشاهدة تطبيق علاجي لهذه المقاربة في عيادة الطبيب، فإن البيانات المتوافرة توحي بأن إعطاء الخلايا T-regs نفسها، أو ربما أدوية تزيد أو تنقص من فاعليتها، قد يشكل معالجات غير مسبوقة لحالات متنوعة. وبالفعل، فإن بعض التجارب السريرية تُجرى حاليا.
إن التطبيق الأكثر وضوحا سيشتمل على تعزيز فاعلية الخلايا T-regs لمكافحة أمراض المناعة الذاتية. كما يتم حاليا استكشاف معالجات دوائية لمرضى التصلب المتعدد والصُّداف؛ إضافة إلى حالات أخرى. وقد يكون رفع مستوى فاعلية الخلاياT-regs مفيدا في معالجة الأرجية. إن سهولة كبح الاستجابة المناعية من قبل الخلايا T-regs توحي بأن المعالجات التي تتخذ من هذه الخلايا أساسا قد تحمل بشائر نجاح خاص بالحيلولة دون رفض الأعضاء المغترسة. وسيكون مثاليا فيما يتعلق بالمتلقي أن يتحمل الطعم، تماما كما يتحمل نسجه. وقد يكون مثاليا أيضا توليدُ تحملٍ يثبت كحالة مناعية دائمة لا تحتاج إلى أدوية كابتة مناعيا ذات تأثيرات جانبية كثيرة.
وسيكون النمط النقيض للمعالجة المبنية على الخلايا T-regs هو الاستنفاد الانتقائي لهذه الخلايا كي يقاوم هذا الاستنفاد الكبت المناعي غير المرغوب فيه، ومن ثم تقوية الاستجابة المناعية المفيدة. ومن الناحية التطبيقية، قد يكون من المفضل إجراء استنفاد جزئي وليس استنفادا تاما، ذلك أن الاستنفاد الجزئي سينطوي على خطورة أقل في ما يتعلق بتحريض أمراض المناعية الذاتية. وسيكون مثاليا إزالة تلك الخلايا T-regs وحدها التي تحصر نوعيا الاستجابة المناعية النافعة. وقد تكون استراتيجية الاستنفاد مواتية على وجه التخصيص ضد الأمراض المعدية التي يصارعها الجهاز المناعي، إذا ما ترك وحده في الساحة، صراعا غير كفؤ. وربما يشكل التدرن السلي والإيدز خير مثالين على ذلك.
أضف إلى ذلك، أن الإنقاص من عدد الخلايا T-regs قد يكون مفيدا في مكافحة السرطان. فكثير من الأدلة يوحي بأن الخلايا المناعية الجائلة في الدم تكون متنبهة دائما لرصد أي زيغ جزيئي عندما تصبح الخلايا سرطانية. وقد يبلغ مستوى إعاقة الخلايا T-regs لهذه المراقبة درجة تساعد فيها هذه الإعاقة، على نحو غير متعمد، الخباثة كي تترسخ وتنمو. وفي الواقع؛ فإن بعض أنواع السرطان يبدو وكأنه يشجع على تلك المساعدة؛ فالخلايا السرطانية تصدر إشارات جزيئية قادرة على جذب الخلايا T-regs لتحييدها، وعلى تحويل الخلايا التي هي ليست T-regs أصلا إلى خلايا T-regs. فمثلا، توحي بعض النتائج بأن مرضى السرطان يمتلكون على نحو شاذ عددا كبيرا من الخلايا T-regs الفاعلة، سواء في دمائهم أو في الأورام نفسها. وتركز معظم الأبحاث، في ما يتعلق بالمقاربات العلاجية للخلايا T-regs، على موضوع السرطان.
تقنية المستقبل لاغتراس الأعضاء(**********)
إن المعالجة القائمة علي الخلايا T-regs قد تساعد يوما علي الاحتفاظ بالأعضاء المغترسة وتقلص في الوقت نفسة المدة التي علي المريض أن يأخذ في خلالها الأدوية الكابتة للمناعة، التي قد تكون لها تأثيرات جانبية غير مرغوب فيها ويمكن للإجرائيات (البروتوكولات) أن تكون مماثلة لما يلي:
1-يتم جمع الخلايا --- من المريض الذي يتلقى الفريسة, كما يتم جمع الخلايا البيض من المانح تحمل الخلايا البيض مستضدات خاصة بالمانح حصرا (المدرج)
2-تزرع الخلايا مع عوامل نمو تحث على تكاثر هذه الخلايا ---- القادرة على تمييز مستضدات المانح
3-في غضون ذلك يفترس العضو, ويعطى المريض الأدوية التقليدية الكابتة للمناعة كي تحول دون رفض العضو.
4-يأخذ المتلقي زادا وفيرا من الخلاياT-regs الحساسة لمستضدات المانح .
5-تكبت الخلايا ---- الخلايا التائية للمانح القادر على مهاجمة الطعم (المدرج) أو تتخلص منها, فتحمي بذلك العضو, وتمكن المريض من التوقف عن أخذ الأدوية الكابتة للمناعة.
(***********)تحديات تقنية
وحتى الآن، يواجه الباحثون تحديا حقيقيا في تطوير أدوية قادرة على استنفاد مجموعات الخلايا T-regs أو توسعتها داخل جسم المريض. وبغية أن تكون فضلى في نفعها، فإن على هذه العقاقير أن تؤثر في مجموعة الخلايا T-regs التي لها دور واضح في اضطراب محدد تماما، بيد أن العلماء غالبا ما يفتقرون إلى المعرفة الدقيقة بمجموعة الخلايا T-regs التي يجب أن تستهدف.
أضف إلى ذلك؛ أن استنباط تقنيات تقوم على إعطاء الخلايا T-regs نفسها صعب هو الآخر. ويتمثل أحد العوائق الرئيسية في الحاجة إلى الحصول على ما يكفي من هذه الخلايا. ومع أن الباحثين وجدوا أن الخلايا T-regs تغدو فاعلة بوفرة خفيضة بالنسبة إلى الخلايا التي ستكبتها، فإن السيطرة على أمراض المناعة الذاتية البشرية قد تتطلب احتماليا عشرات الملايين من الخلايا T-regs. والحصول على هذا العدد من هذه الخلايا النادرة نسبيا قد يكون أمرا مستحيلا. ووفقا لذلك، فإن استنباط بعض التقنيات التي تضاعف أعداد هذه الخلايا خارج الجسم يصبح أمرا لا مناص منه.
ولحسن الحظ، يبدو أيضا أنه يمكن الفوز في لعبة الأعداد هذه. فقد نشرت مجموعات بحثية عديدة عالمية الانتشار تقارير تشير إلى أنه يمكن توليد خلايا ذات فاعلية مناعية كابتة بأعداد كبيرة نسبيا وذلك بمعالجة الخلايا التائية العادية بخليط محدد تماما من الإشارات الكيميائية الحيوية. ويبقى في ما إذا كانت الخلايا المولََّدة، التي سميت بالخلايا Tr1، مثيلة للخلايا T-regs أمرا غير واضح، ولكن مما لا ريب فيه أن الكبت المناعي الذي يميز هذه الخلايا عميق البعد.
قيد الدراسة: بعض المعالجات القائمة على الخلايا T-regs (************)
إن المعاجات المبينة أدناه دخلت, أو يتوقع دخولها, مرحلة التجارب السريرية (البشرية). وتهدف معظم الأدوية قيد الدراسة إلى استنفاد الخلايا T-regs أو تثبيطها, على نحو ترفع فيه الاستجابات المناعية المضادة للأورام, التي تخففها تلك الخلايا عادة. ومع ذلك فإن إدخال تلك العوامل في الجسم سيحتاج إلى تدابير دقيقة وصارمة تكفل أن تخفيض فاعلية الخلايا T-regs لن يؤدي إلى حدوث أمراض مناعية ذاتية .
وبما أنه عُرف بأن الپروتينFoxp3 هو جزيء رئيسي في تنامي الخلايا T-regs ووظيفتها، فقد يكون أيضا باستطاعة الباحثين أن يصنِّعوا بدقة أعدادا كبيرة من الخلايا المنظمة، وذلك باستعمالهم تقنيات مختبرية معيارية ملائمة لنقل جينة الپروتينFoxp3 إلى أنماط خلوية تائية أكثر انتشارا، ومن ثم أكثر سهولة في ما يتعلق بالحصول عليها. وبإصرار نسعى مع آخرين وراء هذه المقاربة، كما أننا نحاول تعرف الأحداث الجزيئية التي تُفَعِّل إنتاج الپروتين Foxp3 في أثناء تنامي الخلايا T-regs. وقد تُمكن هذه المعرفة الباحثين الصيدلانيين من تصنيع أدوية لذلك الغرض بخاصة، فتصبح عندئذ معالجة الخلايا خارج الجسم ومن ثم تسريبها داخل الجسم إجراءين غير ضروريين.
وفي ما يتعلق بمرضى اغتراس الأعضاء، هناك طريقة أخرى للحصول على الخلايا T-regs وهي الآن قيد البحث. وسيشتمل الإجراء على إزالة الخلايا T-regs من المتلقي المتوقع للعضو، وزرع هذه الخلايا مع خلايا من مانح العضو على نحو يجعل الخلايا T-regs أقدر ما تكون على كبت تعاظم سيرورة الرفض [انظر الإطار في الصفحة المقابلة]. إن الخلايا T-regs التي تم توليدها على هذا النحو في القوارض كانت فعالة جدا. فمثلا، بيَّن أحدنا (ساكاگوشي) أن حقن جرعة واحدة فقط من الخلايا T-regs في الوقت الذي يتم فيه تطعيم الجلد، يؤدي إلى تقبل الطعم تقبلا دائما، مع العلم بأن الجلد المغترس يُرفض عادة بشدة. وأبقت هذه المعالجة في الوقت نفسه على سائر الجهاز المناعي بحالة سليمة؛ جاهزة لتكافح الميكروبات كغزاة. وتوحي الأبحاث الغزيرة حول الخلايا T-regs بأن هذه المقاربة قد تصبح حقيقة فعلية في الإنسان. وقد يغدو من الممكن استعمالها لحماية المتلقين الحديثي الاغتراس، حتى يتم تطوير أدوية قادرة ببساطة أكثر على إحداث الفائدة نفسها.
وخلال العقد الماضي تغير فهم الباحثين للجهاز المناعي ولكيفية تحكمه في الأفعال الخاصة به تغيرا جذريا. ويُدرَك حاليا على وجه التخصيص أنه على الرغم من أن هذا الجهاز يسمح للخلايا التائية ذات القدرة التدميرية للذات بأن تجول في الدم، فإن الجهاز المناعي ينشر بالمقابل خلايا تائية أخرى قادرة على ضبط تلك القدرة التدميرية الكامنة. إن معرفة كيفية تنامي هذه الخلايا الصائنة، وكيفية أدائها المتميز لفاعلياتها الكابتة مناعيا ستمثل أساسا لتعبئتها بغية استعمالها ضد الاضطرابات الموهنة للجسم أو حتى المميتة له. وبسماحها بتدمير اللاذات nonself في الوقت الذي تحول فيه دون تدمير الذات، تبرهن الخلايا T-regs على أنها قوات حفظ السلام المناعية النهائية(10).