عشرون حديثاً في كل حديث ثلاث خصال
عفان بن شيخ صديق السركتي
عن أنس -رضي الله عنه-، عن رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((يَتْبَعُ المَيتَ ثَلاَثَةٌ: أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَملُهُ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ: يَرجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبقَى عَملُهُ))[التخريج: أخرجه البخارى(6514) و مسلم(2960)].
أنس بن مالك: هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم رسول -صلى الله عليه وسلم-، ولد قبل الهجرة بعشر سنين، وعندما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة جاءت أم سليم بابنها أنس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: يا رسول الله! هذا أنس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقبَّله النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا له، ومن دعائه -صلى الله عليه وسلم- له: (اللّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ)[رواه الإمامان البخاري ومسلم].
خدم النبي-صلى الله عليه وسلم- عشر سنوات، وشهد بدرا والغزوات بعدها، ومات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنس ابن عشرين سنة، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)2286) حديثا، عاش مائة وثلاث سنين، توفي سنة 93 هـ على الصحيح.
لغة الحديث:
يتبع الميت: يتبعه في جنازته وبعد موته أهله وأقاربه، إلى قبره على ما جرت عليه العادة.
الميت: الفرق بين الميت والميت: قال أكثر اللغويين: إن الثاني لغة في الأول.
وقد جمعهما الشاعر في بيت واحد.
ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء
وفرق بعضهم بينهما فقال: الميت، بالتشديد: يطلق على من مات، وعلى الحي الذي سيموت. قال -تعالى-: (إنك ميت وإنهم ميتون) وبالتخفيف لا يطلق إلا على من مات. (الفروق اللغوية).
الفوائد والعبر:
1) (أهله) يتبعه ماله: أي عبيده وخدمه المماليك له، وهذا يمثل الرجل الغني الذي له عبيد وخدم مماليك. وإذا لم يكن كذلك لا يتبعه إلا قلة من الأباعد، حتى شفرة القبر ليس إلا! لأنهم بعد الدفن يرجعون.
2) (وماله) بعد الموت مباشرة يكون المال للورثة، لان الميراث يتحقق بشرطين الموت الحقيقي للمورث وحياة حقيقية للوارث، فإذا بمجرد موته ينقل ملكية المال للورثة، فحق الميت من المال هو الثلث كما صرح به الحبيب -صلى الله عليه وسلم-.
3) يرجع الأولى والثانية، لأنهم لا يدخلون معه إلى القبر أحبهم له يكون معه حتى شفير القبر ومن هنا يرجعون ويتركونه وحيدا..
4) ما أعجب الحياة الدنيا وأخسها، وما أدناها، يتولى دفنك من أنت أحب الناس إليه، يدفنوك ويبعدونك عنهم، ولو أنهم أعطوا أجرة على أن تبقى جسداً بينهم ما رضوا!.
5) واعلم لو انك تملك الدنيا بحذافيرها كلها ترجع ولا تبقى معك في قبرك، المال والبنون زينة الحياة الدنيا كما قال - جل وعلا - (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[(46)الكهف)] ترجع، من الذي يبقى؟..
6) أما الذي يكون معك حتى البعث هو عملك نعم عملك! فيبقى عندك أنيسك في قبرك ينفرد بك إلى يوم القيامة.
7) فانظر يا أخي رحمك الله ما هو زادك لهذا اليوم الذي: (يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا)[(17)المزمل)]، فعليك أن تحرص على الصاحب الذي يبقى ولا ينصرف مع من ينصرف، وعليك أن تجتهد حتى يكون عملك عملاً صالحاً يؤنسك في قبرك إذا انفردت به عن الأحباب والأهل والأولاد.
يجب على المرء أن يقدم من ماله ما يجده أمامه، ومن أهله ما ينفعه في قبره بتعليمهم شرائع الدين، وتربيتهم على منهج الله ليكونوا ذخرا له بعد مماته، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ دَرَجَةَ الْعَبْدِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّي لِي هَذَا؟ فَيَقُولُ: بَاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ)) قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن من أجل عاصم بن أبي النجود وهو ابن بهدلة، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح
