تعد مهنة «القعد» أو صناعة الأسرة والمقاعد الخشبية، من المهن القديمة التي مارسها الآباء والأجداد وباتت مهددة بالانقراض نتيجة التطور الكبير الذي طال مختلف المجالات الحياتية خصوصا في المدن الكبرى، وما تبقى منها لم يعد سوى محاولات بعض كبار السن الذي ما زالوا يحفظون لهذه المهنة جزءا يسير من كبريائها، هذا الوفاء يقابله إصرار البعض على تزويد منازلهم بـ«القعادة» كشكل من أشكال الديكور، وإضفاء الجو الكلاسيكي دون أن يتخلى عن الحداثة.
ويجلس المسن أحمد عبد الله قدح (85 عاما، أحد الحرفيين الذي ورث المهنة عن أبيه منذ 40 عاما) على حافة محله الصغير الواقع في حي السبيل جنوبي جدة، منتظرا زبائنه الذين باتوا عملة نادرة كمهنته الآيلة للاندثار نتيجة لهجمة التكنولوجيا الحديثة التي اكتسحت أمامها كل ما هو قديم أو متأصل في القدم، وهنا يعود قدح بتحسر إلى الزمن الجميل حيث بداياته الأولى مع مهنة «القعادة» والتي ذهبت مع طيف الشباب وحلاوته وقوة الجسد وصلابته، قبل أن يتحول إلى كائن هزيل ثقيل الحركة ويضيف: «كان عملنا يبدأ منذ الصباح الباكر دون تعب أو ملل، وكان الإقبال على (القعد) لا ينقطع ومع مرور الوقت قل الجهد وأيضا إقبال الزبائن»، واعتبر دخله من هذه المهنة قليلا جدا وقال: «دخلي من المحل لا يفي بمستلزمات الحياة، ويبلغ سعر القعادة الواحد ما بين 30 ــ 40 ريالا ويأتي الناس لشراء هذه النوعية من الأثاث مرة في كل ثلاثة أو أربعة أيام». ويستخدم أحمد في صناعة «القعد» الخشب، الحبال والمسامير، ويضيف الطلاء لإضفاء الشكل الجمالي، يبدأ قدح عمله منذ الصباح الباكر رغم كبر سنة ولكنه يشير إلى أنه لا يستطيع أن يفارق مهنته التي عاشت معه نصف عمره، وبات يعشقها كأبنائه، رغم إلحاح أبنائه المستمرة، لا سيما أن أبناءه من رجال الأعمال بترك المهنة والركون للراحة بعد هذا المشوار الطويل.