يحتل النقل الجوي العسكري أهمية فائقة لدى مختلف القوى العسكرية العالمية، وذلك لما يلعبه من دور استراتيجي مهم على مسارح العمليات المختلفة، وفي أوقات الحرب كما أوقات السلم، لا تقل أهميته بل تزداد فترة بعد فترة، خصوصاً في الأوقات الحاسمة في الأزمات الدولية، ولعل الحروب الأخيرة في كل من أفغانستان والعراق كانت خير مثال على ذلك، كما أن تأمين جسور جوية بغية تلبية احتياجات الخطط الاستراتيجية والتكتيكية تحتاج إلى قدرات وإمكانات نقل فائقة لا يمكن أن تتوافر إلا في أنواع متخصصة من طائرات الشحن، ومن هذا المنطلق أصبح الاهتمام متزايداً لدى المؤسسات العسكرية لصناعة طائرات شحن بمقدورها نقل المعدات والأجهزة الثقيلة، إضافة إلى نقل القوات جواً إلى مواقع مختلفة لعمل عسكري ما، تحت حدود زمنية ضيقة وأحداث دولية متغيرة على الدوام، ومن هذا المنطلق كانت لنا زيارة ميدانية قامت بها القبس بدعوة من شركة صناعة طائرات الركاب والأنظمة الدفاعية «بوينغ» للاطلاع على أحدث طائرة في هذا المجال.
برزت الحاجة الحقيقية لطائرة شحن عسكرية عشية نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحديداً إبان تنفيذ عملية جسر برلين الجوي لإغاثة المحاصرين هناك من قبل قوات الاتحاد السوفيتي، فكانت الطائرات الأولى عبارة عن طائرات ركاب معدلة كي تنفذ مهمات الشحن والإخلاء والإغاثة من الجو، حيث قامت طائرات من طراز «C - 47» المعدلة من «DC - 3» داكوتا لنقل الركاب بإنزال المؤن والقوت اللازم لسكان برلين المحاصرين في عملية جوية كبرى في تاريخ الطيران. وبعد ذلك احتدم الصراع ما بين الغريمين آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فبرزت الحاجة إلى طائرات نقل عسكرية من الوزن الثقيل فكانت البداية.
غلوب ماستر
ضمن الجولة الإعلامية التي دعيت القبس إليها من قبل شركة بوينغ العالمية في الأسبوع الأخير من سبتمبر كانت بدايتها جولة تفصيلية لمصنع أهم طائرات الشحن العسكري والإغاثة الإنسانية ألا وهي «C - 17» والملقبة بـ «غلوب ماستر 3» أي سيد العالم 3، حيث كانت الـ «غلوب ماستر 1» بنيت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة على أساس طائرة «دوغلاس DC - 7» لنقل الركاب لمصلحة شركة بان أميركان المخضرمة آنذاك، لكنها رفضت تصميمها، مما دفع بدوغلاس كي تعرضها على سلاح الجو الأميركي، والذي كان يبحث بدوره عن طائرة شحن عسكرية كبيرة، فكانت النتيجة «غلوب ماستر 1»، وأطلق عليها الرمز C - 74، لتبدأ بعدها سلسلة من طائرات الشحن المتعددة الأحجام لتصل إلى طائرة «غلوبماستر 2»، والتي تحولت إلى C - 124، لكن جميعها كانت ذات دفع مروحي.
غلوب ماستر 3
كان سلاح الجو الأميركي يبحث عن طائرة تخلف الطائرة الشهيرة «لوكهيد C - 130» المروحية الدفع، ولكنه فضل أن يستعاض بالطائرة الجديدة عن تلك المحركات المروحية بمحركات نفاثة، وأن تحتفظ في الوقت نفسه بخاصية الهبوط والإقلاع القصيرين، فكانت الاختبارية «YC - 15» من صنع شركة ماكدونالد دوغلاس قبل أن تبتلعها بوينغ بعد ذلك، لكنها لم تر النور لتتحول بعدها بعقد من الزمن إلى طائرة الـ «غلوب ماستر 3» لتحمل الرمز C - 17 وتترجم إلى أيقونة في عالم النقل الجوي العسكري.
قدرات استثنائية
تم تصميم طائرة بوينغ من طراز «سي - 17 غلوب ماستر 3» كوسيلة لمد جسر جوي عسكري وإنساني يلبي متطلبات القرن الواحد والعشرين. ويمكن لطائرات سي - 17، بالأجنحة المرتفعة والمحركات الأربعة والذيل T ومنصة التحميل الخلفية، أن تحمل كمية كبيرة من المعدات القتالية والجنود أو المعونات الإنسانية لتنقلها قاطعة مسافات طويلة إلى مهابط صغيرة وبسيطة في أي مكان من العالم من دون توقف، كما يمكن لطائرات «سي - 17» أن تقلع من مهبط بطول 2100 متر مع حمولة بوزن 75 طناً، وتحلق بعد ذلك لمسافة 4 آلاف كلم، لتهبط بعدها في مطار صغير ناء لا يتجاوز 900 متر. وقد تم تجهيز طائرات «سي - 17» بنظام قلابات تميل إلى الأسفل بشكل كبير تعمل بظاهرة فيزيائية يطلق عليها «تأثير كواندا» يسمح بوصول قدرة تحكم بسرعة منخفضة، والهبوط على مهابط فرعية قصيرة المدى بسرعات منخفضة.
تكنولوجيا عصرية
يقوم أفراد الطاقم الذي يتألف من شخصين في قمرة القيادة وثالث للحمولة بتشغيل وإدارة الطائرة «سي - 17»، والتي يمكن إعادة تزويدها بالوقود جواً. لقد بات طاقم الطيران منخفض التكاليف أمراً ممكن التحقيق بفضل استخدام نظام إلكترونيات طيران رقمية متطورة، بالإضافة إلى أنظمة حمولة متطورة أيضاً. حيث يمكن لطائرات «سي - 17» أن تحمل مركبات عسكرية متجانبة على صفين اثنين ضمن مقصورة الشحن. وتشكل ثلاث مركبات مكافحة مشاة جاهزة للقتال من طراز سترايكر توزيعاً واحداً للحمل، وبالمثل، يمكن نقل دبابة القتال الرئيسية M1، الأحدث في الجيش. والمحركات الأربعة هي من سلسلة المحركات التربينية المروحية برات وويتني من طراز «PW2040»، وقد قامت القوات الجوية بتصميمها كمحركات «F117 - PW - 100»، لينتج كل واحد منها قوة دفع تبلغ 40440 رطلاً. وتأتي هذه المحركات مزودة بعاكسات دفع موجهة قادرة على الانتشار أثناء الطيران. أما على الأرض، فيمكن للطائرة مع كامل حمولتها أن تدعم انحداراً نسبته 2 %، وذلك باستخدام المحركات العكسية.
سجل حافل بالإنجازات
كانت القوات الجوية الأميركية أعلنت أن أول سرب من طائرات C - 17 بات جاهزاً للعمل في يناير 1995. ومنذ أول طيران عام 1991، حقق الأسطول أكثر من مليوني ساعة من الطيران. هذا وقد تم إشراك طائرات C - 17 في العديد من عمليات الطوارئ، بما فيها نقل القوات والمعدات لمصلحة عملية السعي المشترك دعماً لحفظ السلام في البوسنة، وعمليات قوى التحالف في كوسوفو، والعمليات في أفغانستان والعراق. وأثناء تنفيذ اختبارات الطيران في قاعدة إدواردز الجوية، سجلت طائرات «سي - 17» 33 رقماً عالمياً، متفوقة بذلك على أي ناقلة جوية أخرى في التاريخ، ومن ضمن هذه الأرقام «الحمولة إلى الارتفاع» و«وقت الإقلاع» و«معدلات الإقلاع والهبوط القصيرة»، حيث أقلعت طائرة «سي - 17» من مهبط يقل طوله عن 1400 قدم (420 متراً)، لتصل إلى الارتفاع الأقصى وهي محملة بـ44000 رطل (20 طناً)، ومن ثم هبطت على مهبط يقل طوله عن 1400 قدم أيضاً.
أسطول جوي متنام
وتعمل في الوقت الراهن 235 طائرة من طراز «سي–17» على المستوى العالمي. ويمتلك سلاح الجو الأميركي، بوحداته العاملة والدفاعية والاحتياطية، 211 طائرة من هذا الطراز، و24 لعملاء دوليين، بما فيهم سلاح الجو الملكي البريطاني وسلاح الجو الملكي الأسترالي وقوات الدفاع الكندية وسلاح الجو الأميري القطري، بالإضافة إلى «مجموعة الدول الـ 12 المنضمة إلى ائتلاف الجسر الجوي الاستراتيجي التابع إلى حلف الناتو ومجموعة الشراكة من أجل السلام». وسوف تحصل وزارة الدفاع الهندية على 10 طائرات من طراز سي - 17، من المقرر تسليمها خلال الفترة بين عامي 2013 و2014، في حين هناك أخبار شبه مؤكدة لنية كل من الكويت والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان باقتناء هذه الطائرة.
المواصفات العامة لطائرة C-17
الطول: 174 قدما (53.04 مترا).
ارتفاع الذيل: 55.1 قدما (16.79 مترا).
المسافة بين الجناحين: 169.8 قدما (51.74 مترا).
الحمولة القصوى: 164900 رطل (74797 كلغ).
المدى مع الحمولة:
ــ 160000 رطل (72.7 طنا) - 2420 ميلا بحريا (4481 كلم).
ــ 40000 رطل (18.2 طنا) - 5610 أميال بحرية (10389 كلم).
السرعة: 0.74 – 0.77 ماخ.
طول حقل الإقلاع (مع الحمولة القصوى): 7740 قدما (2359.15 مترا).
طول المهبط اللازم مع حمولة 160000 رطل (72.7 طنا): 3000 قدم (914.40 مترا).
