مصنع أسمنت طره شمالي منطقة حلوان
الغزو المبكر لصناعة الأسمنت
كانت بيئة حلوان الفريدة وسط الصحراء والمتميزة بمناخها الصحي وبعزلتها البرية التي أعطت الفرصة للحياة الفطرية أن تنمو وتزدهر، وراء ازدهار مدينة حلوان حتى أصبحت قبلة الشرق والغرب. إلا أن سياسة الاستثمار في السياحة الصحية والترفيهية وسياحة الصحراء لم يستمر طويلاً، فقد اختارت شركة الأسمنت المصرية، ومقرها بروكسل وقتئذ، حلوان لإنشاء أول مصنع (في سنة 1900) باستثمارات القطاع الخاص لإنتاج الأسمنت البورتلاندى بمصر، وذلك بموقع في شرقي المعصرة بجبل حوف، للاستفادة من توفر الحجر الجيري والقرب من العاصمة. وإن كان ذلك المصنع حالف الصواب (حينذاك) في توطنه بجنوب شرقي ضاحية المعادى في منصرف الرياح، إلا أنه قد خالف الصواب بتوطنه شمالي ملاعب الجولف بحلوان، تلك الملاعب ذات الشهرة العالمية التي كانت تفترش مسطحاً يزيد عن كيلو متر مربع، على مسافة خمسة كيلومترات من ذلك المصنع، فوق تلك الأراضي المتاخمة لصحراء مدينة حلوان. وكانت الحكومة المصرية (في سنة 1925) قد قررت تخصيص منطقة صناعية للقاهرة، تجمع المصانع ومساكن العمال في منطقة واحدة، بشرط آلا يلوث موقعها المناطق المحيطة بها. وبالفعل وقع الاختيار على منطقة المعصرة شمالي حلوان، إلا أن الفكرة قد لاقت معارضة قوية، لأن المعصرة لا تملك الشروط الكافية لإقامة تلك المنطقة الصناعية المطلوبة، علاوة على الخسائر البيئية المتوقعة، في هدم المزايا الصحية لمنتجع وعيون حلوان، بما ستحمله الرياح باتجاه حلوان من ملوثات المنطقة الصناعية المقترحة. ولم تلبث أن تأسست شركتا طره وحلوان للأسمنت خلال عامي 1927، 1929 على التوالي، فتوطن المصنع الأول بطره شمالي المنطقة، بينما توطن الثاني وسط المنطقة بكفر العلو.
البعد الإستراتيجي وتأكيد الوظيفة الصناعية
بعد ثلاثين عاماً من توطن صناعة الأسمنت بموقعي طره وكفر العلو، أنشأت الشركة القومية للأسمنت مصنعها بالتبين (في سنة 1958)، وذلك حسب السياسة الحكومية بعد قيام ثورة يوليو 1952التى حفزت قيام الصناعة على حساب اختفاء سياحة الصحراء، وعجلت ملء الفراغ العمراني بالمصانع والعمال لتأمين القاهرة حال وقوع هجوم عسكري أجنبي عليها، فأصبحت منطقة حلوان قلعة الصناعات الثقيلة ولا سيما الحربية والاستراتيجية منها. إلا أن ذلك التحول الوظيفي قد تم بدون دعم حكومي لذلك القرار، فتوطنت الصناعة بالمنطقة بلا تخطيط حكـومي لتوجيه حركة التصنيع وبدون تدبير للاستثمارات اللازمة لتنفيذ مقومات البنية التحتية للتعمير، الأمر الذي كان وراء تدهور بيئة حلوان وتحرر قيود المصانع في تخلصها من مخلفاتها السامة (الغازية والسائلة والصلبة) في الهواء والماء والتربة. وهكذا تأزمت مشكلات البيئة بمنطقة حلوان نتيجة عشوائية النمو الحضري وتداخل استخدام الأرض المفرط. وبذلك يكون توطن الصناعة بهذه الصورة وغياب حق السكان في بيئة نظيفة قد شكلت نوعاً من عدم الاكتراث العام تجاه المحافظة على البيئة من التلوث، ولم يغير من ذلك صدور قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 بما يقتضيه من توفيق لأوضاع المصانع القائمة وفقاً لأحكامه، وما تزامن معه نتيجة قيام الحكومة بتنفيذ برنامج الخصخصة للإصلاح الاقتصادي، بغرض توسيع قاعدة الملكية باتجاه اقتصاد السوق الحر. أي أنه قد اجتمعت ثلاثية، صدور قانون البيئـة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية للقطاع الخاص وخصخصة الحكومة لمصانع القطاع العام على ترحيل الأعباء البيئية إلى هؤلاء المستثمرين الجدد، مما قد يعود على الصناعة نفسها بأضرار اقتصادية باهظة التكاليف، عند تنفيذ برامج التحكم في التلوث من المصدر في حالة الأخذ بالمسئولية الاجتماعية للمشروع الاقتصادي.
الميزات النسبية للموقع والتطور الإداري ..