بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
علم مصطلح الحديث
تعريفه: هو علم يبحث عن أحوال السند والمتن من صحة وحسن وضعف ورفع ووقف وقطع وعلو ونزول وغير ذلك.
موضوعه: الراوي والمروي من حيث القبول والرد.
فائدته: معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك.
اسمه: علم مصطلح الحديث ويسمى أيضاً: علوم الحديث وأصول الحديث، وعلم دراية الحديث أو علم الحديث دراية.
حكمه: الوجوب العيني عند الانفراد والكفائي عند التعدد.
الخبر
س1 ـ عرف الخبر لغة واصطلاحاً وما الفرق بينه وبين الحديث؟
ج ـ الخبر لغة يطلق على ما هو أعم من النبأ فيشمل الأخبار الجليلة والأخبار التافهة بخلاف النبأ فإنه خاص بما له خطب وشأن من الأخبار، والخبر مأخوذ من الخَبَار ـ بفتح الخاء المعجمة ـ وهي الأرض الرخوة، لأن الخبر يثير الفائدة كما أن الأرض الخبار تثير الغبار إذا قرعها الحافر ونحوه.
وفي الاصطلاح: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خِلقي أو خُلقي.
والفرق بينه وبين الحديث: قيل إنهما مترادفان وأن كلاً منهما يطلق على ما يطلق عليه الآخر، وقيل بتغايرهما وأن الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عن غيره، وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق، فالخبر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره، والحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فقط.
وعلى هذا فكل حديث خبر وليس كل خبر حديثاً.
أقسام الخبر وطرق وصوله
س2 ـ كم أقسام الخبر باعتبار طرق وصوله؟ وما هي؟ وما وجه الحصر فيها؟
ج ـ أقسام الخبر بهذا الاعتبار أربعة وهي: المتواتر والمشهور والعزيز والغريب، ووجه الحصر في هذه الأربعة هو أن الخبر إما أن يكون له طرق كثيرة بلا حصر أو مع حصرها بما فوق الاثنين أو بهما أو بواحد، فالأول المتواتر والثاني المشهور والثالث العزيز والرابع الغريب.
المتواتر
س3 ـ عرف المتواتر واذكر شروطه وما نوع العلم الذي يفيده؟ ومثل له.
ج ـ المتواتر اصطلاحا هو: ما رواه جماعة كثيرون تحيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن جماعة كذلك إلى أن ينتهي إلى محسوس.
وشروطه أربعة:
الأول: أن يرويه جمع كثير بلا حصر.
الثاني: أن تحيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب.
الثالث: أن يكونوا رووا ذلك عن مثلهم، من الابتداء إلى الانتهاء.
الرابع: أن يكون انتهاؤه مستنداً إلى الحس من مشاهدة أو سماع، والمتواتر يفيد العلم اليقيني.
ومثال المتواتر حديث: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، وحديث: «المرء مع من أحب».
الآحاد
س4 ـ علام يطلق المحدثون أخبار الآحاد؟ وما المراد بخبر الواحد لغة واصطلاحاً؟
ج ـ يطلق المحدثون أخبار الآحاد على ما عدا المتواتر، فالمشهور والعزيز والغريب يقال لها أخبار الآحاد.
والآحاد جمع أحد بمعنى واحد، وخبر الواحد في اللغة ما يرويه شخص واحد، وفي الاصطلاح: ما لم يصل حد التواتر.
المشهور
س5 ـ ما هو المشهور؟ وما الفرق بينه وبين المستفيض؟ ومثل للحديث المشهور في اصطلاح المحدثين وللحديث الذي اشتهر بالمعنى اللغوي وهو موضوع؟
ج ـ المشهور: هو ما حصرت طرقه بعدد معين فوق الاثنين.
والفرق بينه وبين المستفيض، قيل هما مترادفان، وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق، فالمستفيض ما كان العدد في ابتداء السند وانتهائه سواء، والمشهور يشمل ما كان كذلك وما كان العدد فيه مختلفاً.
ومثال الحديث المشهور في اصطلاح المحدثين حديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» الحديث.
ومثال المشهور على الألسنة: «حب الوطن من الإيمان» فإنه حديث موضوع.
العزيز
س6 ـ ما هو العزيز لغة واصطلاحاً؟ ولماذا سمي عزيزاً؟ وهل هو شرط للصحيح أو ليس بشرط؟ وما ثمرة الخلاف؟ وبم يُرد على من زعم أنَّه شرط البخاري؟ ومثل له.
ج ـ العزيز في اللغة: النادر والقوي والشاق، وفي الاصطلاح: هو ما كان له طريقان.
وسمي عزيزاً: إما لقلة وجوده، أو لكونه عزّ أي قوي بمجيئه من طريق آخر أو لمشقة الحصول عليه عند البحث عنه.
فتسميته بذلك إما لقوته أو ندرته أو لمشقة الحصول عليه، وليس العزيز شرطاً للصحيح خلافاً لأبي علي الجبائي المعتزلي فقد زعم أنَّه لا يكون الحديث صحيحاً إلَّا إذا كان عزيزاً جاء من طريقين على الأقل.
وثمرة الخلاف: أن الغريب لا يكون صحيحاً عند أبي علي لكونه قد جاء من طريق واحد، ومن شرط الصحيح عنده أن يأتي من طريقين على الأقل، أمَّا عند غيره فيكون صحيحاً لعدم اشتراط ذلك الشرط.
ويرد على من زعم أنَّ العزيز شرط في الصحيح عند البخاري بالأحاديث الكثيرة التي أوردها البخاري في «صحيحه» وهي غريبة لم تأت إلَّا من طريق واحد ومن أبرزها الحديث الذي صدَّر به «صحيحه» وهو حديث: «إنَّما الأعمال بالنيات ...»، ومثله الحديث الذي ختم به «صحيحه»، وهو حديث أبي هريرة: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ...».
ومثال العزيز حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
الغريب
س7 ـ ما هو الغريب لغة واصطلاحاً؟ ومثل له.
ج ـ الغريب لغة فعيل من الغربة وهي النزوح عن الوطن.
وفي الاصطلاح هو: ما كان له طريق واحد.
ومثاله حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي جعله بعضُ المصنفين في الحديث فاتحة كتبهم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الأعمال بالنيات ...» الحديث.
تقسيم الخبر إلى مقبول ومردود
س8 ـ اذكر أقسام الخبر من حيث القبول والرد، ولم انقسمت أخبار الآحاد إلى القسمين في ذلك؟
ج ـ الخبر المتواتر مقبول قطعاً.
وأما الآحاد فمنها المقبول، وهو حُجَّة في العقائد والأحكام.
ومنها المردود الذي لا يُحتجُّ به.
وقد قسم المحدثون الآحاد إلى هذين القسمين لتوقف الاستدلال بها أو عدمه على البحث عن أحوال رواتها.
إفادة الآحاد العلم النظري
س9 ـ اذكر شيئاً من القرائن التي إذا احتفت بأخبار الآحاد أفادت العلم النظري على المختار عند المحدثين؟ وما الذي تفيده أخبار الآحاد؟ وما الفرق بين العلم اليقيني والعلم النظري؟
ج ـ خبر الواحد يفيد الظن الغالب، ويفيد العلم النظري إذا احتفت به قرائن، ومن تلك القرائن ما يلي:
1 ـ أن يخرج البخاري ومسلم في «صحيحيهما» حديثاً مما لم يبلغ حد المتواتر، فإن ذلك قرينة قوية كافية لحصول العلم النظري، وهذه القرينة هي: جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول.
2 ـ أن يكون الخبر مشهوراً له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل.
3 ـ أن يكون الخبر مسلسلاً بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريباً كالحديث الذي يرويه أحمد وشريك له عن الشافعي ثم يكون الشافعي رواه هو وشريك له عن مالك.
فهذه القرائن الثلاث تختص الأولى بما في الصحيحين، والثانية بما له طرق متعددة، والثالثة بما رواه الأئمة المتقنون.
والعلم اليقيني هو الضروري الذي يضطر الإنسان إليه بحيث لا يمكنه دفعه، والفرق بينه وبين العلم النظري:
أ ـ أن اليقيني يفيد العلم بلا استدلال، والنظري يفيده لكن مع الاستدلال على الإفادة.
ب ـ واليقيني يحصل لكل سامع، والنظري لا يحصل إلَّا لمن فيه أهلية النظر.
الفرد المطلق والفرد النسبي
س10 ـ عيّن مكان الغرابة، وبم يسمى كل من أمكنتها؟ ولماذا سمي الثاني منها فرداً نسبياً؟ ومثل للفرد المطلق والفرد النسبي، وما الفرق بين الغريب والفرد في اصطلاح المحدثين؟
ج ـ الغرابة إما أن تكون في أصل السند وهو طرفه الذي فيه الصحابي كأن ينفرد به التابعي عن الصحابي.
وإما أن تكون في أثنائه كأن يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم ينفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد.
فالأول يسمى الفرد المطلق مثل حديث شعب الإيمان، تفرد به أبو صالح عن أبي هريرة وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح.
والثاني يسمى الفرد النسبي كأن يروي مثلاً مالك عن نافع عن ابن عمر حديثاً ويرويه عن نافع خلق كثير وينفرد بروايته فرد واحد عن مالك، فهو من هذه الطريق يسمى فرداً نسبياً «أي بالنسبة إلى ذلك الشخص الذي تفرد به عن مالك».
وسمي الثاني فرداً نسبياً: لكون التفرد به حصل بالنسبة إلى شخص معين وإن كان الحديث في نفسه مشهوراً.
والمحدثون قد غايروا بين الغريب والفرد من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي.
وهذا من حيث إطلاق الاسمية عليهما وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي: تفرد به فلان أو أغرب به فلان.
تقسيم الآحاد المقبولة إلى صحيح وحسن لذاته ولغيره
س11 ـ اذكر أقسام أخبار الآحاد المقبولة، وما وجه الحصر في هذه الأقسام؟
ج ـ تنقسم أخبار الآحاد المقبولة إلى أربعة أقسام:
1 ـ الصحيح لذاته
2 ـ الصحيح لغيره
3 ـ الحسن لذاته
4 ـ الحسن لغيره
ووجه الحصر في هذه الأربعة هو:
أنَّ الخبر إما أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أو لا يشتمل، فالأول الصحيح لذاته، والثاني إن وجد ما يجبر به ذلك القصور ككثرة الطرق فهو الصحيح لغيره وحيث لا جبران فهو الحسن لذاته، وإن قامت قرينة ترجح جانب قبول ما يتوقف فيه فهو الحسن لغيره.
الصحيح لذاته
س12 ـ عرف الصحيح لذاته واشرح التعريف.
ج ـ الصحيح لذاته هو: ما روي بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ.
شرح التعريف: العدل: هو المتصف بالعدالة وهي التمسك بأحكام الشرع وآدابه فعلاً وتركاً.
والمراد بالضبط شيئان: ضبط صدر وضبط كتاب، فضبط الصدر: هو أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء.
وضبط الكتاب: هو صيانة الكتاب لديه من وقت قراءته له وتصحيحه إلى وقت تأديته.
والمراد بمتصل السند: ما سلم إسناده من انقطاع مطلقاً بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي عن شيخه.
والمعلل في اللغة: ما فيه علّة، واصطلاحاً: ما فيه علّة خفية قادحة.
والشاذ لغة: المنفرد، وفي الاصطلاح: ما يخالف فيه الثقة من هو أرجح منه.
ترجيح «صحيح البخاري» على «صحيح مسلم»
س13 ـ اذكر مراتب الصحيح بالنسبة إلى ما رواه البخاري ومسلم اجتماعاً وانفراداً وما لم يروياه، وما هي الأسباب التي قدم من أجلها ما رواه البخاري على ما رواه مسلم؟ وعلام يحمل ما نقل عن بعض العلماء من تقديم «صحيح مسلم» على «صحيح البخاري»؟.
ج ـ المراتب في ذلك سبع نذكرها فيما يلي مرتبة ترتيباً تنازلياً:
1 ـ ما اتفق عليه البخاري ومسلم.
2 ـ ما انفرد به البخاري.
3 ـ ما انفرد به مسلم.
4 ـ ما كان على شرطيهما.
5 ـ ما كان على شرط البخاري.
6 ـ ما كان على شرط مسلم.
7 ـ ما لم يروياه ولم يكن على شرطهما لا اجتماعاً ولا انفراداً.
وهذه المراتب السبع كل واحدة منها مقدمة على التي قبلها.
وقد صرّح الجمهور بتقديم «صحيح البخاري» على «صحيح مسلم» في الصحة ولم يوجد عن أحد التصريح بخلافه.
وذلك لأنَّ الصفات التي تدور عليها الصحة في «صحيح البخاري» أتم منها في «صحيح مسلم» وشرط البخاري فيها أقوى وأشد من شرط مسلم.
فأما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة واحدة واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة.
وأما رجحانه من حيث العدالة والضبط فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عدداً من الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، مع أن البخاري لم يكثر من إخراج حديثهم بخلاف مسلم في الأمرين.
وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عدداً مما انتقد على مسلم.
هذا مع اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم ومسلم تلميذ البخاري ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره.
وما نقل عن بعض العلماء من ترجيح «صحيح مسلم» على «صحيح البخاري» راجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب، ولم يفصح أحد من هؤلاء بأنه راجع إلى الأصحية، وإلى المقارنة المذكورة أشار بعضهم بقوله:
تنازع قوم في البخاري ومسلم
لدي وقالـوا أيّ ذيـن تقــدِّم
فقلت لقد فاق البخاري صحة
كما فاق في حسن الصناعة مسلم
الصحيح لغيره والحسن لذاته ولغيره
س14 ـ عرف الصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره.
ج ـ الصحيح لغيره هو: ما كانت شروطه أخف من شروط الصحيح لذاته وجبر بكثرة الطرق.
والحسن لذاته هو: ما كانت شروطه أخف من شروط الصحيح لذاته ولم يوجد ما يجبر به ذلك القصور.
والحسن لغيره: هو الخبر المتوقف فيه إذا قامت قرينة ترجح جانب قبوله كحديث مستور الحال إذا تعددت طرقه.
قول المحدثين: حديث حسن صحيح
س15 ـ لماذا يجمع بعض المحدثين بين الصحيح والحسن في موصوف واحد فيقول: حديث حسن صحيح، مع أن الحسن أقل درجة من الصحيح؟
ج ـ يجمع بعض المحدثين بين وصفي الصحة والحسن في الحديث الواحد لأحد أمرين:
1 ـ حصول التردد في الناقل إذا تفرد برواية الحديث هل هو من الرجال الذين يعتبر حديثهم صحيحاً أو من الرجال الذين يعتبر حديثهم حسناً وحينئذ يكون الحديث الموصوف بصفتي الحسن والصحة دون الحديث الموصوف بالصحة فقط لأن الجزم بالصحة أقوى من التردد فيها.
2 ـ كون الحديث روي بإسنادين هو من أحدهما صحيح ومن الثاني حسن فيكون الجمع بين الوصفين إشارة إلى الإسنادين، وحينئذ يكون الحديث الموصوف بصفتي الحسن والصحة فوق الحديث الموصوف بالصحة فقط لأن كثرة الطرق تقوّي.
فالجمع بين الوصفين إما للتردد في الناقل ويكون دون ما قيل فيه صحيح، وإما لورود الحديث من طريقين ويكون فوق ما قيل فيه صحيح.
قول الترمذي: «حسن غريب»
س16 ـ أورد على الترمذي في قوله: «حديث حسن غريب» إشكال، فما هو؟ وبم يجاب عنه؟
ج ـ الإشكال هو أن الترمذي رحمه الله قد عرّف الحسن بأنه ما روي من غير وجه، ومعلوم أن الغريب ما روي من وجه واحد، فإذا جمع بين الوصفين جاء الإشكال للتنافي بين الوصفين، ويجاب عن هذا الإشكال بأن الترمذي رحمه الله لم يطلق التعريف المذكور إلَّا على الحديث الحسن فقط دون ما يقول فيه حسن غريب أو حسن صحيح فإن مراده بذلك تعريف الحسن عند المحدثين كما تقدم تعريفه بأنه ما كانت شروطه أخف من شروط الصحيح لذاته ولم يوجد ما يجبر به قصوره.
وحاصل جواب الإشكال هو: أن الترمذي إذا قال: «حديث حسن» فقط، فمراده المروي من غير وجه وهو اصطلاح خاص عنده، وإذا قال: «حسن صحيح» أو «حسن غريب» فمراده الحسن في اصطلاح المحدثين، فلا منافاة بين الغريب والحسن إذا جمع بينهما إذ مراده الحسن عند المحدثين.
الاحتجاج بالحسن، وحكم زيادة الثقة، وتعريف الحديث الضعيف
س17 ـ هل الحسن ملحق بالصحيح في الاحتجاج به عند المحدثين؟ وهل زيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة أو مردودة؟ وما هو الحديث الضعيف؟
ج ـ الحسن بقسميه ملحق بالصحيح في الاحتجاج به وإن لم يلحقه رتبة، وزيادة راوي الصحيح والحسن اختلف في حكمها فقال قوم بقبولها مطلقاً، وقال قوم بالتفصيل في الزيادة فتقبل إذا لم يخالف من هو أوثق منه وترد إن خالف، وهذا أرجح القولين.
والحديث الضعيف: هو الذي لم يتصف بشيء من صفات الصحيح ولا من صفات الحسن.
المحفوظ، والشاذ، والمعروف، والمنكر
س18 ـ عرف المحفوظ والشاذ، والمعروف والمنكر مع التمثيل، وما الفرق بين الشاذ والمنكر؟
ج ـ إذا خالف راوي الصحيح والحسن بزيادة أو نقص من هو أرجح منه فالراجح يسمى المحفوظ والمرجوح الشاذ.
فتعريف المحفوظ هو: ما رواه الأوثق مخالفاً لمن دونه من الثقات.
وتعريف الشاذ هو: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أرجح منه، مثال ذلك ما رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رجلا توفي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدع وارثاً إلَّا مولى هو أعتقه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه له».
وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره، وخالفهم حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس، قال أبو حاتم: المحفوظ حديث ابن عيينة. انتهى. أي والشاذ حديث حماد بن زيد.
وإذا وقعت المخالفة من الثقة للضعيف فالراجح يقال له المعروف ومقابله المنكر.
فالمعروف هو: ما رواه الثقة مخالفاً الضعيف.
والمنكر هو: ما رواه الضعيف مخالفاً الثقات.
مثال ذلك: ما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيّب ـ بالتصغير ـ ابن حبيب الزيات عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل الجنة...».
قال أبو حاتم: «هو منكر لأن غير حبيّب من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً وهو المعروف».
والفرق بين الشاذ والمنكر هو: أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه يجتمعان في اشتراط المخالفة، ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف.
المتابعة
س19 ـ ما المراد بالمتابع والمتابع ـ بفتح الباء وكسرها ـ؟، وما الفرق بين التابع والشاهد للفرد النسبي؟ وما هي أقسام المتابعة مع التمثيل، وما هو الاعتبار؟
ج ـ المتابَع ـ بفتح الباء ـ هو الفرد النسبي إذا تبين بعد البحث أن غيره قد وافقه، وذلك الغير الموافق هو المتابِع ـ بكسر الباء ـ ويقال له التابع، فتعريف التابع هو: ما وجد بعد البحث موافقاً للحديث الذي يظن أنَّه فرد نسبي في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط بشرط اتحاد الصحابي في الفرد النسبي وموافقه.
فإن كانت الموافقة للحديث في غير الصحابي الأول فهو الشاهد للفرد النسبي، فالفرق بين الشاهد والتابع: اختلاف الصحابي في الشاهد واتحاده في التابع.
وتنقسم المتابعة إلى قسمين: متابعة تامة ومتابعة قاصرة، فالتامة: ما حصلت الموافقة فيها للراوي نفسه، والقاصرة هي: ما لم تحصل للراوي نفسه وإنما حصلت لشيخه فمن فوقه، مثال المتابعة التامة والقاصرة:
ما رواه الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين...»، فهذا الحديث بهذا اللفظ ظن قوم أن الشافعي تفرد به عن مالك فعدوه من الفرد النسبي؛ لأنَّ أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد بلفظ: «...فإن غم عليكم فاقدروا له» لكن وجد للشافعي متابع وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي أخرجه البخاري عنه عن مالك كذلك وهذه متابعة تامة.
ووجد له أيضاً متابعة قاصرة في صحيح ابن خزيمة من رواية عاصم بن محمد عن أبيه محمد بن زيد عن جده عبد الله بن عمر بلفظ: «فأكملوا ثلاثين».
ومثال الشاهد: ما رواه النسائي من رواية محمد بن حنين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر سواء كما تقدم في المتابعة قريباً.
وتتبع الطرق في الجوامع والمسانيد وغيرها لمعرفة هل هناك تابع أو شاهد للحديث الذي يظن أنَّه فرد نسبي يسمى الاعتبار عند المحدثين، فتعريف الاعتبار هو: تتبع طرق الحديث الذي يظن أنَّه فرد نسبي ليعلم هل له متابع أو لا.
تقسيم المقبول إلى معمول به وغير معمول به،المحكم، ومختلف الحديث، وماذا يعمل عند التعارض
س20 ـ عرف المحكم عند المحدثين، وما المراد بمختلف الحديث عندهم؟ مع التمثيل ومَن مِن العلماء صنف في مختلف الحديث؟ وماذا يعمل عند تعارض الأحاديث المقبولة؟ وهل معارضة الضعيف للقوي تؤثر أو لا؟
ج ـ المحكم عند المحدثين هو: الحديث المقبول إذا سلم من المعارضة، وأمثلته كثيرة.
والمراد بمختلف الحديث عند المحدثين: الحديث المقبول المعارض بمثله مع إمكان الجمع بينهما ومثاله حديث: «لا عدوى ولا طيرة» مع حديث: «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد» وكلاهما في الصحيح وظاهرهما التعارض، ووجه الجمع بينهما هو: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها لكن الله تعالى جعل مخالطة المريض للصحيح سبباً لإعدائه مرضه وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب.
وممن صنف في مختلف الحديث من العلماء: الشافعي وابن قتيبة والطحاوي، وإذا حصل تعارض بين حديثين مقبولين فمصير أهل هذا الفن عند ذلك:
أ ـ الجمع بين مدلوليهما إن أمكن كما في مختلف الحديث.
ب ـ وإن لم يمكن الجمع بينهما بحث عن التاريخ فإن عرف فالمتأخر ناسخ للمتقدم.
ج ـ وإن لم يعرف التاريخ بحث عن ما يرجح به أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح المتعلقة بالمتن أو بالإسناد فإن وجد شيء من ذلك قدم الراجح على المرجوح.
د ـ فإن لم يمكن الجمع ولا النسخ ولا الترجيح توقف عن العمل في الحديثين.
هذا إذا كان المتعارضان قويين فإن كانت المعارضة من الضعيف للقوي فلا عبرة بها لأن القوي لا تؤثر فيه معارضة الضعيف.
النسخ وطرق معرفة الناسخ والمنسوخ
س21 ـ عرف النسخ لغة واصطلاحاً، واذكر شيئاً من الطرق التي يعرف بها الناسخ والمنسوخ، وهل ينسخ بالإجماع أو لا؟ وميّز المعمول به من غير المعمول به من الأخبار المقبولة؟.
ج ـ النسخ في اللغة يطلق على الإزالة وعلى ما يشبه النقل، وفي الاصطلاح: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه، ويعرف النسخ بأمور:
أصرحها ما ورد في النص مثل حديث: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها»، ومنها أن ينقل الراوي الناسخ والمنسوخ كقول الصحابي: «رخص لنا في المتعة فمكثنا ثلاثاً ثم نهانا عنها».
ومنها أن يذكر الصحابي تاريخ سماعه فيقول: سمعت عام الفتح، ويكون المنسوخ معلوماً تقدمه على ذلك.
والإجماع ليس بناسخ بل هو دال على النسخ.
مما تقدم نستطيع أن نميز بين المعمول به وغير المعمول به من الأخبار المقبولة وذلك فيما يلي:
المعمول به من الأخبار المقبولة هو:
أ ـ المحكم.
ب ـ مختلف الحديث.
ج ـ المتأخر فيما عرف فيه التاريخ.
د ـ الراجح فيما حصل فيه الترجيح.
وغير المعمول به هو:
أ ـ المتقدم فيما عرف فيه التاريخ.
ب ـ المرجوح فيما حصل فيه الترجيح.
ج ـ المتوقف فيه.
المردود، أسباب رد الحديث، والمعلق
س22 ـ لرد الخبر سببان عامان فاذكرهما مبيناً معناهما، وما هو المعلق؟ ولم عد من أقسام المردود؟ واذكر شيئاً من صور التعليق، وإذا قال مصنف من المحدثين: «كل من أحذفه فهو ثقة» فهل تكون روايته مقبولة أو لا؟
ج ـ السببان العامان لرد الحديث هما:
1 ـ السقوط في السند.
2 ـ الطعن في الراوي.
فمعنى السقوط في السند: عدم اتصاله.
ومعنى الطعن في الراوي: أن يكون مجروحاً بأمر يرجع إلى ديانته أو ضبطه.
والمعلق هو: ما سقط فيه واحد أو أكثر من أول السند.
وعد من أقسام المردود: للجهل بحال المحذوف أو المحذوفين.
وللتعليق صور منها:
أ ـ أن يحذف جميع السند ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
ب ـ أو يحذف جميعه إلَّا الصحابي.
جـ ـ أو يحذف جميعه إلَّا الصحابي والتابعي.
د ـ أو يحذف من حدثه ويضيفه إلى من فوقه.
وإذا قال مصنف من المحدثين: كل من أحذفه فهو ثقة، فقد اختلف في قبول ذلك وعدمه، والجمهور على عدم القبول إلَّا إن جاء مسمى من وجه آخر لأن ذلك المحذوف قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره.
ونقل ابن حجر عن ابن الصلاح أنَّه قال: «إن وقع الحذف في كتاب التزمت صحته كصحيح البخاري فما أتي فيه بالجزم دلّ على أنَّه ثبت إسناده عنده وما أتي فيه بغير الجزم ففيه مقال».
تنبيه:
من صيغ الجزم عند البخاري: جاء وروى وقال ببناء الفعل للمعلوم.
ومن صيغ التمريض عنده: روي ويروى ويذكر ببناء الفعل للمجهول.
المعضل والمنقطع والمرسل
س23 ـ عرف المعضل، وما الفرق بينه وبين المعلق؟ وما هو المنقطع والمرسل؟ ولماذا عد المنقطع والمعضل والمرسل من أقسام المردود؟ وإذا عرف من عادة التابعي أن لا يرسل إلَّا عن ثقة فما مذاهب علماء الحديث في مراسيله؟
ج ـ المعضل هو: ما سقط منه اثنان أو أكثر بشرط التوالي، والفرق بينه وبين المعلق هو: أن بينهما عموما وخصوصاً من وجه يجتمعان فيما إذا كان الساقط اثنين أو أكثر في بدء السند، وينفرد المعضل فيما إذا وقع السقوط في غير بدئه كوسطه مثلاً، وينفرد المعلق فيما إذا كان الساقط واحداً في بدء السند.
والمنقطع هو: ما كان الساقط فيه واحداً أو أكثر من واحد بشرط عدم التوالي.
والمرسل هو: ما كان السقوط فيه من آخر السند كأن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
وإنما عد المعضل والمنقطع من أقسام المردود للجهل بحال المحذوف أو المحذوفين وكذلك المرسل لأن المحذوف فيه يحتمل أن يكون صحابياً أو تابعياً وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفاً أو ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون أخذ عن صحابي أو تابعي آخر، وعلى الثاني يعود الاحتمال السابق ويتعدد. وإذا عرف من عادة تابعي أنَّه لا يرسل إلَّا عن ثقة فقد اختلف في مراسيله، فذهب جمهور المحدثين إلى التوقف لبقاء الاحتمال وهو أحد قولي أحمد رحمه الله، وثانيهما وهو قول المالكية والحنفية يقبل مطلقاً، وقال الشافعي رحمه الله: يقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأول.
الساقط الواضح والخفي والمدلس والمرسل الخفي
س24 ـ يكون الساقط واضحاً ويكون خفياً فما الفرق بينهما؟ وما هو المدلَّس؟ ولم سمي بذلك؟ وما الفرق بينه وبين المرسل الخفي؟
ج ـ الفرق بين الساقط الواضح والساقط الخفي هو: أن الأول يحصل الاشتراك في معرفته ككون الراوي مثلاً لم يعاصر من روى عنه على زعمه. أما الساقط الخفي فهو الذي لا يدرك معرفته إلَّا الأئمة الحذّاق دون غيرهم كما في المدلس.
والمدلس ـ باسم المفعول ـ ما رواه راو عن إنسان لقيه ولم يسمع منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال.
وسمي بذلك لكون الراوي لم يسم من حدثه وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه به.
والفرق بين المدلس والمرسل الخفي هو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنَّه لقيه فهو المرسل الخفي.
وجوه الطعن في الراوي
س25 ـ كم وجوه الطعن في الراوي؟ وبين ما يتعلق منها بالعدالة وما يتعلق بالضبط، ثم اذكرها مرتبة ترتيباً تنازلياً بحسب شدّة القدح.
ج ـ وجوه الطعن في الراوي عشرة: خمسة منها تتعلق بالعدالة وخمسة تتعلق بالضبط.
فالخمسة التي تتعلق بالعدالة هي: الكذب والتهمة به والفسق والجهالة والبدعة. والخمسة التي تتعلق بالضبط هي: فحش الغلط والغفلة والوهم ومخالفة الثقات وسوء الحفظ.
وترتيب هذه الوجوه العشرة ترتيباً تنازلياً بحسب شدة القدح كما يلي:
1 ـ الكذب.
2 ـ التهمة به.
3 ـ فحش الغلط.
4 ـ الغفلة.
5 ـ الفسق.
6 ـ الوهم.
7 ـ مخالفة الثقات.
8 ـ الجهالة.
9 ـ البدعة.
10 ـ سوء الحفظ.
الوجه الأول
الموضوع
س26 ـ ما هو الموضوع، وبم يُعرف الوضع؟ ومن أين يؤخذ متن الحديث الموضوع؟ واذكر شيئاً من الأسباب التي تحمل الوضاعين على الوضع، واذكر حكم الوضع والواضع ورواية الحديث الموضوع.
ج ـ الحديث الموضوع هو: الحديث الذي رواه راو عرف بتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويعرف الوضع بإقرار الواضع أو بحال المروي، كأن يكون مناقضاً للقرآن أو السنة المتواترة.
ومتن الحديث الموضوع تارة يؤخذ من كلام الحكماء ومن الإسرائيليات، وتارة يخترعه الواضع من عند نفسه، وتارة يأخذ الواضع حديثاً ضعيف الإسناد فيركب له إسناداً صحيحاً ليروج.
ومن الأسباب التي تحمل الوضّاعين على الوضع:
أ ـ عدم الدين كالزنادقة.
ب ـ غلبة الجهل كبعض المتعبدين.
جـ ـ فرط العصبية كبعض المقلدين.
د ـ اتباع هوى بعض الرؤساء.
هـ ـ الإغراب لقصد الاشتهار.
والوضع مطلقاً حرام بالإجماع ولا عبرة بشذوذ من شذّ فأجازه في الترغيب والترهيب، فإنه قد أبعد النجعة واتبع غير سبيل المؤمنين؛ لأنَّ الترغيب والترهيب من جملة الأحكام الشرعية، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا وقد أكمل الله الشريعة وأتمها ولم يجعلها بحاجة إلى تكميل من هؤلاء الوضاعين، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث المتواتر وهو قوله: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، وحكم من تعمد وضع حديث ـ لا يترتب عليه تحريم شيء أحلته الشريعة أو عكسه ـ مرتكب كبيرة، وقد بالغ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين فقال بتكفيره.
وحكم رواية الحديث الموضوع حرام فلا تجوز روايته إلَّا مقرونة ببيانه والقدح فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حدّث عني بحديث يرى أنَّه كذب فهو أحد الكاذبين» أخرجه مسلم.
الوجه الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس
المتروك والمنكر والمعلل
س27 ـ عرف الحديث المتروك، ثم اذكر المراد بالحديث المنكر، وما هو المعلل؟ وبم تحصل معرفته؟ وما منزلته من علوم الحديث؟
ج ـ الحديث المتروك هو: الحديث الذي رد بسبب تهمة راويه بالكذب كرواية من يكون معروفاً بالكذب في كلامه وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي.
والمراد بالحديث المنكر هو: الحديث الذي رواه راو كثر غلطه، أو اتصف بالتغفيل وعدم الإتقان، أو بالفسق في القول والعمل فسقاً لا يبلغ حد الكفر.
فمن فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه فحديثه منكر، على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة.
والحديث المعلل هو: ما فيه علة خفية قادحة كأن يكون مروياً على سبيل التوهم، وتحصل معرفته بكثرة التتبع وجمع الطرق ويطلع عليه بالقرائن الدالة على وهم الراوي من وصل مرسل أو منقطع أو إدخال حديث في حديث ونحو ذلك.
ومنزلته من علوم الحديث هو من أغمضها وأدقها فلا يطلع عليه إلَّا القليل من كبار الأئمة الذين رزقهم الله فهماً ثاقباً وحفظاً واسعاً.
الوجه السابع
مدرج المتن ومدرج الإسناد
س28 ـ إلى كم ينقسم المدرج؟ وما هي أقسامه؟ واذكر أقسام مدرج الإسناد، وما هي أمكنة مدرج المتن؟ وبم يعرف الإدراج؟
ج ـ ينقسم المدرج إلى قسمين:
1 ـ مدرج الإسناد
2 ـ مدرج المتن.
فمدرج الإسناد هو: ما كانت المخالفة فيه بتغيير سياق الإسناد، وهو أقسام:
منها: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم راو فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف.
ومنها: أن يكون المتن عند راو إلَّا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر فيرويه عنه راو تاماً بالإسناد الأول.
ومنها: أن يكون عند راو متنان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما عنه راو مقتصراً على أحد الإسنادين.
ومنها: أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويه عنه كذلك.
ومدرج المتن هو: أن يقع في المتن كلام ليس منه كدمج موقوف بمرفوع من غير بيان.
والإدراج تارة يكون في أول الحديث وتارة في أثنائه وتارة في آخره وهو الأكثر.
ويعرف الإدراج:
أ ـ بورود رواية مفصلة للقدر المدرج مما أدرج فيه.
ب ـ أو بالتنصيص على ذلك من الراوي.
جـ ـ أو باستحالة كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
المقلوب
س29 ـ ما هو المقلوب؟ وما هي أقسامه؟ مع التمثيل.
ج ـ المقلوب هو: ما كانت المخالفة فيه بالتقديم والتأخير.
وهو قسمان: مقلوب سنداً كمرة بن كعب وكعب بن مرة، فإن اسم أحدهما اسم ابن الآخر.
ومقلوب متناً ومن أمثلته حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلَّا ظله، ففيه: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو: «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ...» كما في الصحيحين.
المزيد في متصل الأسانيد والمضطرب
س30 ـ ما هو المزيد في متصل الأسانيد عند أهل الحديث؟ واذكر شرطه. وما هو المضطرب؟ وإلى كم ينقسم؟
ج ـ المزيد في الأسانيد المتصلة هو: ما كانت المخالفة فيه بزيادة راو في أثناء السند ومن لم يزد أتقن ممن زاد.
وشرطه: أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة وإلا فمتى كان معنعناً ترجحت الزيادة.
والمضطرب هو: ما كانت المخالفة فيه بإبدال راو براو أو مروي بمروي ولا مرجح لإحدى الروايتين على الأخرى.
وينقسم إلى قسمين:
1 ـ مضطرب سنداً وهو الغالب.
2 ـ ومضطرب متناً وهو قليل لأنه قل أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن دون الإسناد.
المصحَّف والمحَرَّف
س31 ـ عرف المصحَّف والمحَرَّف ومثل لهما.
ج ـ المصحَّف هو: ما كانت المخالفة فيه بتغيير في النقط مع بقاء صورة الخط، ووقوعه في المتون أكثر منه في الأسانيد.
مثاله في المتن حديث: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال» الحديث صحفه أبو بكر الصولي فقال: «وأتبعه شيئاً من شوال».
ومثاله في السند: العوام بن مراجم ـ بالراء والجيم ـ صحفه بعضهم فقال: العوام بن مزاحم بالزاي والحاء.
والمحَرَّف هو: ما كانت المخالفة فيه بتغيير في الشكل مع بقاء صورة الخط.
مثاله في السند: تحريف (سَليم) بفتح السين بـ (سُليم) بضمها.
ومثاله في المتن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم : «رمي أبَـيُّ يوم الأحزاب»، حَرَّفه غُندر فقال: أبِي بالإضافة إلى ياء المتكلم، وإنما هو أبَـيُّ بن كعب، وأمَّا أبو جابر رضي الله عنه فقد استشهد قبل ذلك يوم أحد في السنة الثالثة من الهجرة.
حكم اختصار الحديث والرواية بالمعنى
س32 ـ هل يجوز تغيير صورة المتن بالنقص أو إبدال اللفظ بالمرادف له؟
ج ـ هذا السؤال مشتمل على مسألتين: الأولى مسألة اختصار الحديث، والثانية مسألة الرواية بالمعنى.
فأما اختصار الحديث فالأكثرون على جوازه بشرط أن يكون المختصر له عالماً بمدلولات الألفاظ وبما يحيل المعاني، لأن العالم لا ينقص من الحديث إلَّا ما لا تعلق له بما يبقيه منه، بخلاف الجاهل فإنه قد ينقص ما له تعلق كأن يترك الاستثناء مثلاً.
وأما الرواية بالمعنى فالأكثرون على الجواز أيضاً ومن أقوى حججهم في ذلك: الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به فإذا جاز باللغة الأخرى فجوازه باللغة العربية أولى.
ونقل ابن حجر عن القاضي عياض أنَّه قال: «ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنَّه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديماً وحديثاً».
أسباب خفاء المعنى
س33 ـ قد يخفى المعنى لأحد سببين فاذكرهما، ومَن مِن العلماء صنف في شرح الغريب وبيان المشكل من الأخبار؟
ج ـ خفاء المعنى يكون لأحد سببين:
الأول: قلة استعمال اللفظ وعند ذلك يحتاج إلى الكتب المصنفة في شرح الغريب، وممن صنّف فيه: أبو عبيد القاسم بن سلام والزمخشري وابن الأثير.
الثاني: أن يكون اللفظ مستعملاً بكثرة لكن خفي المعنى لكونه في مدلوله دقّة، وعند ذلك يحتاج إلى الكتب المصنفة في معاني الأخبار وبيان المشكل منها، وممن صنف في ذلك: الطحاوي والخطابي وابن عبد البر.
الوجه الثامن
الجهالة
س34 ـ ما المراد بالجهالة؟ وما هي أسبابها؟ وما هو المبهم؟ وما حكم روايته؟ وبأي شيء يستدل على معرفته؟ وما الفرق بين مجهول العين ومجهول الحال؟ وما حكم روايتهما؟
ج ـ المراد بالجهالة: عدم معرفة عين الراوي أو حاله بأن لا يعلم فيه تعديل أو تجريح.
وأسبابها ثلاثة:
الأول: كثرة نعوت الراوي من اسم أو كنية أو لقب أو حرفة فيشتهر بشيء منها فيذكر بغير ما اشتهر به فيحصل الجهل بحاله، ومن أمثلته: (محمد بن السائب ابن بشر الكلبي) نسبه بعضهم إلى جده فقال: محمد بن بشر، وسماه بعضهم: حماد ابن السائب، وكناه بعضهم: أبا النضر، وبعضهم: أبا سعيد، وبعضهم: أبا هشام، فصار يظن أنَّه جماعة وهو واحد.
الثاني: أن يكون الراوي مقلاً من الحديث فلا يكثر الأخذ عنه.
الثالث:
أن لا يسمى الراوي اختصاراً من الراوي عنه كأن يقول: أخبرني رجل أو بعضهم أو شيخ، ويسمى المبهم.
فالمبهم هو: الراوي الذي لم يسم.
وحكم روايته الرد ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح، كأن يقول: أخبرني الثقة، لأنه قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره، والجرح مقدم على التعديل عند تعارضهما.
ويستدل على معرفة اسم المبهم بوروده من طريق أخرى مسمى فيها.
والفرق بين مجهول العين ومجهول الحال هو: أن مجهول العين ما انفرد بالرواية عنه شخص واحد، وحكمه كالمبهم إلَّا أن يوثقه غير من ينفرد عنه، أو من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك.
أما مجهول الحال فهو أن يروي عن رجل اثنان فصاعداً ولم يوثق ويسمى مستور الحال، وقد قبل روايته جماعة من غير قيد، وردها الجمهور، قال ابن حجر: « والتحقيق أن رواية مستور الحال ونحوه مما فيه احتمال العدالة وضدها لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل يقال هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين ومثله من جرح بجرح غير مفسر».
الوجه التاسع
البدعة
س35 ـ ما هي البدعة لغة واصطلاحاً؟ وإلى كم تنقسم؟ مع التعريف وبيان الحكم لما تقول.
ج ـ البدعة لغة: مأخوذة من الابتداع وهو الاختراع على غير مثال سابق.
وفي الاصطلاح هي: اعتقاد ما لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يكن عليه أمره ولا أصحابه.
وتنقسم إلى قسمين، وذلك أنها إما أن تكون مكفِّرة كأن يعتقد ما يستلزم الكفر بأن ينكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة أو يعتقد عكسه، وحكم رواية هذا المبتدع الرد مطلقاً.
وإما أن تكون مفسِّقة وهي ما لم يكن اعتقادها موجباً للتكفير، وقد اختلف في رواية هذا المبتدع، فقيل: ترد مطلقاً، وقيل: تقبل إن لم يكن داعية إلى بدعته ولم يرو ما يقويها، فإن كان داعية إليها وروى ما يقويها ردت روايته، وهذا القول هو المختار.
الوجه العاشر
سوء الحفظ
س36 ـ ما المراد بسيء الحفظ من الرواة؟ وإلى كم ينقسم سوء الحفظ؟ وبم يسمى كل من قسميه؟ وما حكم رواية المختلط؟ ومتى يكون حديث من لازمه سوء الحفظ أو طرأ عليه ولم يتميز ما رواه قبل ذلك حسناً لغيره؟ ومن مِن الرواة تماثل روايته رواية سيء الحفظ في ذلك الحكم؟
ج ـ المراد بسيء الحفظ من الرواة: من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه.
وينقسم سوء الحفظ إلى قسمين:
1 ـ أن يكون لازماً للراوي في جميع حالاته ويسمى الشاذ على رأي بعض أهل الحديث.
2 ـ أن يكون طارئاً عليه إما لكبر سنه أو لذهاب بصره أو لاحتراق كتبه أو عدمها بأن كان يعتمدها فرجع إلى حفظه فساء ويسمى المختلط.
والحكم في رواية المختلط: أن ما حدّث به قبل الاختلاط إذا تميز قبل وإذا لم يتميز توقف فيه.
وإذا توبع حديث من لازمه سوء الحفظ أو طرأ عليه ولم تتميز روايته بمعتبر فوقه أو مثله صار حديثهما حسناً لغيره.
ومثل رواية هذين الموصوفين بسوء الحفظ في هذا الحكم بعد المتابعة: رواية المستور والإسناد المرسل وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه.
مباحث الإسناد والسند والمتن
س37 ـ عرف الإسناد والسند والمتن، وما هي أماكن انتهاء السند؟ وبم يسمى كل منها؟
ج ـ الإسناد: حكاية طريق المتن.
والسند: الطريق الموصلة إلى المتن.
فالسند رواة الحديث والإسناد فعل الرواة، وقد يطلق الإسناد على السند.
وأماكن انتهاء السند ثلاثة:
الأول : انتهاؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويسمى المرفوع.
الثاني : انتهاؤه إلى الصحابي ويسمى الموقوف.
الثالث : انتهاؤه إلى التابعي أو من دونه ويسمى المقطوع.
المرفوع وأنواعه
س38 ـ عرف المرفوع واذكر أنواعه مع التمثيل لكل منها، واذكر شيئاً من الصيغ التي لها حكم الرفع؟
ج ـ المرفوع ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحاً أو حكماً من قول أو فعل أو تقرير. وأنواعه ستة لأنَّ كلاً من القول والفعل والتقرير يكون رفعه تصريحاً أو حكماً.
فمثال المرفوع من القول تصريحاً: أن يقول الصحابي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو يقول هو أو غيره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
ومثال المرفوع من الفعل تصريحاً: أن يقول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، أو يقول هو أو غيره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا.
ومثال المرفوع من التقرير تصريحاً: أن يقول الصحابي: فعلت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول هو أو غيره: فعل فلان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا ولا يذكر إنكاره لذلك.
ومثال المرفوع من القول حكما: أن يخبر الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات بما لا مجال للاجتهاد فيه كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء، أو الآتية كالفتن وأحوال يوم القيامة.
ومثال المرفوع من الفعل حكماً: أن يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد فيه، كما قال الشافعي في صلاة عليّ في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين.
ومثال المرفوع من التقرير حكماً: أن يخبر الصحابي أنهم كانوا يفعلون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كذا ولا ينكر عليهم.
ومن الصيغ التي لها حكم الرفع: قولهم «من السنة كذا».
ومنه : قول التابعي «عن الصحابي يرفع الحديث» ونحو ذلك.
ومنه : قول الصحابي «أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا».
ومنه : أن يحكم الصحابي على فعل من الأفعال بأنه طاعة لله ولرسوله، أو معصية أو أن فيه إحباطاً لعمل صالح.
الموقوف والصحبة
س39 ـ عرف الموقوف، ومن هو الصحابي؟ مع شرح التعريف، وبأي شيء تعرف الصحبة؟
ج ـ الموقوف هو: ما انتهى سنده إلى الصحابي وأضيف متنه إليه.
والصحابي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة في الأصح، هكذا عرَّفه الحافظ ابن حجر رحمه الله.
شرح التعريف:
المراد باللقي ما هو أعم من المجالسة والمماشاة والجلوس معه صلى الله عليه وسلم قليلاً أو كثيراً.
وقوله (مؤمناً به) يخرج من لقيه في حال الكفر أو في حال الإيمان لكن بغيره من الأنبياء دونه.
وقوله (ومات على الإسلام) يخرج به من ارتد بعد أن لقيه مؤمناً به ومات على الردة.
وقوله (ولو تخللت ردة) أي بين لقيه له مؤمناً به وبين موته على الإسلام، فإن وصف الصحبة باق له سواء رجع إلى الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم أو بعد ذلك وسواء لقيه ثانياً أم لا.
وقوله (في الأصح)
إشارة إلى الخلاف وأن هذا أصح من غيره ويدل له قصة الأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد وأتي به إلى أبي بكر أسيراً فعاد إلى الإسلام ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها.
وتعرف الصحبة: بالتواتر أو الاستفاضة، أو بإخبار بعض الصحابة أو بعض ثقات التابعين أو بخبره عن نفسه أنَّه صحابي إذا كانت دعواه ذلك تدخل تحت الإمكان.
المقطوع والتابعي والأثر والمخضرمون
س40 ـ عرف المقطوع، ومن هو التابعي؟ وما الفرق بين المقطوع والمنقطع وعلى أي شيء يطلق الأثر عند المحدثين؟ ومن هم المخضرمون؟ وهل هم من الصحابة أو من التابعين؟
ج ـ المقطوع هو: ما انتهى سنده إلى التابعي أو من دونه.
والتابعي هو: من لقي الصحابي مؤمناً ومات على الإسلام.
والفرق بين المقطوع والمنقطع هو: أن المقطوع من مباحث المتن والمراد به المتن الذي انتهى سنده إلى التابعي أو من دونه، وأما المنقطع فهو من مباحث الإسناد، والمراد به السند الذي سقط منه واحد أو أكثر بشرط عدم التوالي كما تقدم.
والمحدثون يطلقون الأثر على الموقوف والمقطوع فكل منهما يقال له أثر.
والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم طبقة بين الصحابة والتابعين، اختلف في إلحاقهم بأي القسمين، قال ابن حجر رحمه الله: «والصحيح أنهم معدودون في كبار التابعين سواء عرف أن الواحد منهم كان مسلماً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كالنجاشي أم لا».
المسند والسند العالي والنازل
س41 ـ عرف المسند، وما الفرق بين السند العالي والسند النازل؟ وإلى كم ينقسم العلو في السند مع التعريف لما تقول؟ ولماذا كان العلو مرغوباً فيه عند المحدثين؟ ومتى يكون النزول في السند أولى من العلو فيه؟
ج ـ المسند هو: مرفوع الصحابي بسند ظاهره الاتصال.
والفرق بين السند العالي والسند النازل هو: أن السند العالي ما كان عدد رجاله قليلاً بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه يكون عدد رجاله كثيراً.
والسند النازل هو: ما كان عدد رجاله كثيراً بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه يكون عدد رجاله قليلاً.
وينقسم العلو في السند إلى قسمين: علو مطلق وعلو نسبي.
فالعلو المطلق هو: ما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدد قليل بالنسبة إلى سند آخر بعدد كثير.
والعلو النسبي هو: ما انتهى إلى إمام من أئمة الحديث كشعبة والبخاري ومسلم بعدد قليل بالنسبة إلى سند آخر بعدد كثير ولو كان العدد من ذلك الإمام إلى منتهاه كثيراً.
وإنما كان العلو مرغوباً فيه عند المحدثين: لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ لأنه ما من راو من رجال السند إلَّا والخطأ جائز عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان تجويز الخطأ وكلما قلّت قلّت.
وإذا كان السند النازل فيه مزية ليست في العالي كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه فلا تردد حينئذ في أن النازل أولى من السند العالي.
الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة
س42 ـ ما الذي يتفرع من العلو النسبي؟ مع التعريف والتمثيل لما تقول.
ج ـ يتفرع من العلو النسبي أربعة أشياء: الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة.
1 ـ فالموافقة هي: الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه.
مثال ذلك: قال ابن حجر رحمه الله: «كأن يروي البخاري عن شيخه قتيبة بن سعيد عن مالك حديثاً، فلو روينا هذا الحديث من طريق البخاري كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، ولو رويناه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة شيخ البخاري لكان بيننا وبين قتيبة سبعة، قال: فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه قتيبة مع علو الإسناد على الإسناد إليه».
2 ـ والبدل هو: الوصول إلى شيخ شيخ أحد المصنفين من غير طريقه.
مثال ذلك: قال ابن حجر مشيراً إلى المثال المتقدم في الموافقة: «كأن يقع لنا ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى غير طريق البخاري إلى القعنبي عن مالك فيكون القعنب